خالد بن حمد المالك
غالبني الحزن، وسكنني الألم، فما يجري في غزة من قتل وهدم وتهجير أمام أنظار العالم، يفوق ما يتصوره إنسان راشد، وأكبر من كل التجارب القتالية الظالمة السابقة في هذا الكون، لكن الثنائي الأمريكي-الإسرائيلي أراداها هكذا مدوية يتابع أحداثها سكان المعمورة بقلق وخوف وشعور بالصدمة، دون أن يتوقف حمام الدم، بل لكي يتم المساومة على هدنات قصيرة لالتقاط الأنفاس، ثم بدء إسرائيل بسياسة الأرض المحروقة في غزة.
* *
لا شيء بمقدوره تحسين الصورة القاتمة لما يحدث من عدوان، أو تجميل هذه الجرائم المؤلمة بأي وصف طالما أن الفضائيات تنقل التطورات دقيقة بدقيقة إمعاناً من العدو في عدم المبالاة لما يصدر من أصوات شريفة تعارض هذا القتل الممنهج، وهذه الجرائم غير المسبوق حدوث ما يماثلها في أي حرب.
* *
الثنائي الأمريكي-الإسرائيلي فوق القانون، لا أحد يستطيع منعهما من استكمال مجزرة غزة، ولا أحد يملك القدرة ولو بالكلام معارضاً ومندداً بالوحشية التي يتم فيها قتل الأبرياء من الفلسطينيين المدنيين، فإسرائيل بالأسلحة الأمريكية، وبالدعم الأوروبي لا تخاف من أي أحد، وهي عازمة كما يصرح رئيس وزرائها على استكمال تطهير غزة من سكانها ولكن على مراحل.
* *
صحيح أن إسرائيل بجيشها تدفع أثماناً باهظة من جنودها وضباطها، وأنها إلى اليوم والحرب تقترب من شهرها الثالث لم تتمكن من تحرير أسراها، ومن نزع السلاح من المقاتلين الفلسطينيين، ومن جعل قطاع غزة تحت سيطرتها، إلا أن الصحيح أن إسرائيل تعمل على منع إقامة دولة للفلسطينيين على أراضيهم المحتلة، والمعادلة في هذا أن الفلسطينيين يدفعون آلافاً من الشهداء وسوف يستمرون إلى أن تكون الدولة الفلسطينية واقعاً وملزماً حتى مع اعتراض إسرائيل وحلفائها.
* *
وما يجري الآن من مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في غزة يظهر أن لدى الفلسطينيين قوة الإصرار على بلوغ حقوقهم المشروعة، وأن أي قوة أمام هذا الإصرار والثبات لن تمنعهم من مواصلة قتال عدوّهم بكل إمكاناتهم، وأسلحتهم، حتى مع وجود الفارق الكبير في موازين القوى بين الجانبين.
* *
لهذا فإن الرهان على القوة الإسرائيلية والدعم الأمريكي-الأوروبي لمنع إقامة الدولة الفلسطينية هو رهان خاسر، كما أن إسرائيل باستخدام القوة إنما تورّط نفسها وتضعف هيبة جيشها، وتذهب بعيداً إلى ما يدمر هذه القوة، ويضعف هذا الجيش، ويصنع قوة خارقة لدى الفلسطينيين كما هو مشاهد الآن في غزة.
* *
فهل نحن أمام تغيّر جذري في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بحيث تزول أحلام إسرائيل، وتتعامل مع الواقع، ومع المستجدات، وتظهر مرونة يبعدها مسافة كبيرة عن الأوهام، وتعترف للفلسطينيين بأنهم يطالبون بحق، ويسعون إلى هدف، وهم الآن في وضع يسمح لهم بهزيمة إسرائيل، كما تحدث بعض القادة في إسرائيل بأن جيشهم هُزم في غزة خلافاً لما يدعيه رئيس الحكومة ووزراؤه من أكاذيب.
* *
يعترف قادة الجيش الإسرائيلي بأن هزيمة حماس والجهاد وبقية المقاتلين يحتاج منهم للقضاء عليهم شهوراً، وربما أكثر في ظل الخسائر التي مُني بها الجيش الإسرائيلي منذ بدء القتال وإلى اليوم، ما يعني أن الإسرائيليين على موعد مع هزيمة تجبرهم على القبول بتسوية تقوم على خيار الدولتين.