د.شريف بن محمد الأتربي
جاء الخطاب الملكي السنوي لأعمال السنة الرابعة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى والذي ألقاه سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان نيابة عن مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظهما الله- في أوقات عصيبة على الأمة العربية والإسلامية وعلى العالم أجمع، ففي أوروبا ما زالت مشكلة الصراع الروسي الأوكراني تؤثّر على كافة دول العالم، وفي إفريقيا لا يزال النزاع دائراً في كثير من المناطق شمل دولاً عربية مثل الصومال والسودان، وفي العالم العربي والإسلامي تظهر بوضوح المشكلة الفلسطينية، حيث تقوم آلة الحرب الصهيونية بحصد عشرات من أرواح الشعب الفلسطيني لينضموا شهداء إلى من سبقهم من الشهداء، ناهيك عن الصراع الدائر في سوريا ولبنان وليبيا وغيرها من بؤر الصراع المشتعلة في العالم، ووسط هذا كله يأتي الخطاب الملكي حاملاً لنا بشائر الخير، باثاً الطمأنينة والاطمئنان في نفوسنا، موضحاً أننا نسير - ولله الحمد- على الطريق الصحيح، ورغم ما يحاك بنا من مكائد إلا أننا صامدون، وعلى طريقنا ماضون، ولأهدافنا -بإذن الله - محققون.
لقد جاء الخطاب الملكي شاملاً متكاملاً مانعاً لأي تأويل أو تحريف لحجم الإنجازات التي تمت أو تلك التي يتم العمل عليها داخل أرض الوطن أو خارجه. لقد شملت هذه الإنجازات كافة مناحي الحياة في المملكة، حيث شملت المشاعر المقدسة وعودة أعداد الحجاج لما كانت عليه قبل الجائحة، وزيادة أعداد المعتمرين نتيجة التيسيرات والتسهيلات التي قدمتها المملكة للمسلمين في شتى بقاع العالم، تزامن ذلك مع الارتقاء في مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والمقيمين والزائرين.
لقد حظي التعليم بجانب كبير من الخطاب الملكي كونه ركيزة أساسية من ركائز رؤية المملكة 2030؛ حيث حققت المملكة إنجازات عديدة سواء على مستوى المسابقات التي شارك فيها أبناؤنا الطلبة، أو على مستوى مؤشرات ترتيب الجامعات، إلى جانب تحسن ترتيب المملكة في الاختبارات الدولية.
تنوعت إنجازات المملكة التي استعرضها سمو ولي العهد في كافة المجالات، ففي الزراعة صدر نظام صندوق التنمية الزراعية، وفي العقار صدر نظام المساهمات العقارية، وفي النقل أُطلق المخطط العام للمراكز اللوجستية، والمخطط العام لمطار الملك سلمان الدولي، ومشروع «قمم السودة»، وشركة المشاريع الترفيه السعودية، إلى جانب العديد من المخططات والمشاريع الأخرى.
انطلاقاً من دور الدولة الرائد في توفير السكن الخاص للمواطنين؛ فقد تم رفع نسبة التملك للأسر السعودية إلى أكثر من 60 %، وستستمر الزيادة حتى يكون لكل مواطن مسكنه الخاص - بإذن الله.
تأتي الثقافة والرياضة على رأس اهتمام قادتنا- حفظهم الله- وكان لهما نصيب واسع من الإنجازات؛ منها إعلان لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة « اليونسكو»، اعتماد المملكة - بالإجماع- رئيساً للجنة التراث العالمي، واستضافة المملكة لكأس العالم 2034، واستضافة أعرق البطولات العالمية مثل: « فورمولا 1، ورالي داكار «.
جاءت الإنجازات الاقتصادية داعمة للتقدم الذي تنشده المملكة ضمن رؤية 2030 بالتحول نحو الاقتصاد غير النفطي، حيث صنّف تقرير صندوق النقد الدولي الاقتصاد السعودي بالأسرع نمواً في اقتصادات مجموعة (العشرين) في عام 2022م ، بمعدل بلغ 8.7 %، مع نمو الناتج المحلي غير النفطي بنحو 4.8 %، وتراجع معدلات البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي لها، حيث انخفضت إلى 8 %، وأثنى التقرير على جهود المملكة لاحتواء التضخم عبر الدعم المحلي ووضع سقف لأسعار عدد من المنتجات ، حيث بلغ متوسط مؤشر أسعار المستهلكين الرئيس 2.5 % في عام 2022م، كما صنّفت وكالة التصنيف الائتماني (موديز) المملكة عند (A1) مع نظرة مستقبلية (إيجابية).
حققت المملكة المرتبة الثانية في التنافسية الرقمية بين دول مجموعة (العشرين) وفق المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية، إضافة إلى تحقيق شهادات تميز في القمة العالمية لمجتمع المعلومات، ليرتفع مجموع شهادات التميز التي تحصلت عليها المملكة إلى 35 شهادة، كما حصلت على المرتبة الثالثة في مؤشري الطرح العام الأولي ومجالس الإدارة ضمن مجموعة (العشرين) ، وجاءت المملكة في المرتبة الأولى بين دول مجموعة (العشرين) في معدل نمو إنتاجية العامل لعام 2022م، كما حققت المرتبة (17) عالمياً من أصل (64) دولة هي الأكثر تنافسية في العالم، لتصبح من الدول الـ(20) الأولى لأول مرة في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، وتقدمت (7) مراتب في نسخة عام 2023م، مدعومة بالأداء الاقتصادي والمالي القوي في عام 2022م، وتحسن تشريعات الأعمال، الذي جعلها في المرتبة الثالثة بين دول مجموعة (العشرين) لأول مرة، وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية المنفذة وكفاءة الإنفاق في وصولها إلى المراتب الثلاث الأولى في23 مؤشراً.
لم تغب المرأة السعودية عن هذا الكم من الإنجازات، فقد نالت نصيبها من فرص التمكين والبناء حتى أصبحت شريكاً مهماً وفاعلاً في النهضة التنموية التي تعيشها المملكة في مختلف المجالات، وتبوأت مراكز قيادية ورفيعة في القطاعين الحكومي والخاص، وفي المنظمات الإقليمية والدولية. لقد جاوزت نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل نسبة 30 % المستهدفة ضمن رؤية المملكة 2030، فيما بلغ عدد المستثمرات السعوديات في سوق الأسهم بنهاية الربع الثاني 2023م (1.562.781) مستثمرة، وتملك النساء السعوديات أكثر من 45 % من المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، وقد شهدت «المنشآت» عموماً في الربع الثاني من 2023 م، زيادة بنسبة 2.6 % عن الربع الأول من هذا العام لتصل إلى 1.23 مليون منشأة.
لم تتوان المملكة يوما عن مكافحة آفتين خطيرتين على أي مجتمع من المجتمعات، هما المخدرات والفساد، حيث أُطلقت الحملة الأمنية لمكافحة المخدرات بدعم وقيادة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وقد حققت ولله الحمد نتائج ملموسة، مع التأكيد على أن الضربات الاستباقية ستظل حازمة ولن تدع مجالاً للمهربين أو المروجين بأن يستهدفوا أبناءنا وبناتنا أو يعبثوا بأمننا بأي شكل من الأشكال. كما تم تنظيم حملات توعوية في القطاعات كافة، وتوفير المراكز العلاجية والإرشادية الخاصة بمكافحة المخدرات والحد من آثارها.
إدراكاً من الدولة بأن الفساد هو العدو الأول للتنمية والازدهار؛ فقد عملت على مكافحته واجتثاث جذوره، والقضاء عليه، ومنع التكسب غير المشروع الذي ينافي ما جاء به الشرع الحنيف، وقد تم الإعلان عن كل قضايا الفساد وما تتوصل إليه الأجهزة القضائية بكل عدل وشفافية، إلى جانب التنسيق العربي والعالمي ضمن مبادرة الرياض العالمية، وضمن الاتفاقية العربية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لدرء مخاطره وآثاره المدمرة، بما يخدم المصالح المشتركة ويحد من الملاذات الآمنة للفاسدين.
أولت المملكة اهتماماً بالغاً بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، حيث أكدت مراراً وتكرراً وقوفها المستمر مع الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يتعرض لحرب شعواء في قطاع غزة راح ضحيتها الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل، وتبذل المملكة كل الجهود الممكنة بالتواصل مع الأطراف الدولية والإقليمية كافة؛ لوقف أعمال العدوان الجاري في قطاع غزة، ومنع اتساعه في المنطقة، وتأكيد ضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وعدم استهداف المدنيين.
على صعيد تقديم المساعدات الإنمائية الرسمية (إنسانية وتنموية)؛ تصدرت المملكة الدول المانحة في إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. وبلغ إجمالي المساعدات السعودية خلال العقود الماضية وحتى وقتنا الحالي 123.22 مليار دولار أمريكي، حيث نُفذ (5694) مشروعاً استفادت منها 167 دولة حول العالم، إضافة إلى تقديم (782) مساهمة لـ(62) جهة مستفيدة من المنظمات والهيئات الدولية.
كل هذه الإنجازات وغيرها هي نتاج رؤية واضحة وشاملة، وضعها قادتنا- حفظهم الله- لتكون نبراساً ومنهجاً ملهماً يقتدى به في تحقيق الأهداف وبلوغ الغايات التي يطمح إليها أبناء الوطن الكريم الغالي المعطاء.