د.محمد بن عبدالرحمن البشر
بلوتو أحد الكواكب أو كويكبات أو كوكب قزمي تابع للمجموعة الشمسية، وأثير وما زال الجدل يثار حوله، والجدل صفة بشرية ملازمة منذ أن عرف الإنسان اللغة، ابتداءً بلغة الطقطقة، والتي تعتبر بداية ابتكار الإنسان للغة يتخاطب بها مع أقرانه، ومازالت بعض القبائل البدائية في إفريقيا تتحدث بها، وقد تطورت فيما بعد إلى اللغات التي نعرفها الآن، وربما كانت اللغات السامية هي أكثر اللغات تطوراً في زمن معين، والجدل إما أن يكون إيجابياً يفضي إلى الحق والتوافق، أو أن يكون جدالاً بالباطل لدحض الحق، وهذا أمر سلبي، وميادين الجدل فيما مضى كثيرة في كتب التاريخ والأدب منذ بداية التاريخ، ونجد ذلك عند الأكاديين، والبابليين، والآشوريين، والفراعنة، واليونانيين المعروفين بجدلهم البيزنطي، وكذلك الفرس، والروم، والصينيين، وكل العالم القديم والحديث، وهو كان ومازال موجوداً لدى الأوروبيين وسائر شعوب العالم، وميادين الجدل كثيرة، منها الأدب، وعلوم الدين، والتاريخ، والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، وعلم النفس، وغيرها، أما عصرنا الحاضر فلابد أن نضيف إليه الجدل في الرياضة وحولها، والجدل في الرياضة في الغالب لا يفضي إلى شيء، وقد تشوبه بعض المشاحنات.
بلوتو كويكب سُمي بهذا الاسم بعد اكتشافه عام ألف وتسعمائة وثلاثين، وقد اعتاد العلماء تسمية الكواكب بأسماء الآلهة الأسطورية، وهو عند الرومان إله المخلوقات السفلى، وهو عند الصينيين واليابانيين والكوريين نجم ملك الموت، بينما هو عند الهندوس، حارس جهنم، وبسبب تسمية هذا النجم بهذا الاسم قصة، فقد كان لأحد علماء الفلك طفلة في الثانية عشرة من العمر مولعة بقراءة الأساطير القديمة، وكان اكتشاف هذا النجم والبحث عن اسم له، قد انتشر في وسائل الإعلام المتاحة في ذلك الزمان، فاقترحت الطفلة على والدها اسم بلوتو، فنقل والدها هذا لمقترح إلى زملائه العلماء، فاختاروا هذا الاسم بعد مفاضلته مع أسماء مطروحة، فأخذ الاسم الذي بقي كذلك حتى يومنا هذا، من الطريف أن علماء الجيولوجيا والفلك اعتادوا على تسمية المعادن المكتشفة حديثاً باسم النجوم، فاسم البلاتينيوم مشتق من النجم بلوتو، واسم اليورانيوم مشتق من الكوكب أورانيوس، وهكذا، وقد يتم اكتشاف معدن جديد لتتم تسميته بأحد أسماء الكواكب.
وبلوتو هو أبعد الكواكب عن الشمس، وإن كان الآن كويكباً قزمياً في تصنيفه، وهو صغير المساحة والحجم فمساحته أقل من مساحة روسيا، وحجمه خمس حجم القمر، وسطحه يتكون من الجليد والصخر، كسائر كويكبات كويبر، ويبعد عن الشمس بأكثر من أربعة مليارات وأربعة من عشر كيلومتراً، أي أقل بقليل من أربعين ضعفاً من بعد الأرض عن الشمس، وبعد الأرض عن الشمس تسمى، بالوحدة الكونية، وجاذبيته قليلة، وبسبب جاذبيته المحدودة، فلو كان وزنك على الأرض سبعمائة نيوتن، فإن وزنك على سطح نيوتن سيصبح أربعين، أما نيوتن فهي مقدار القوة التي تدفع كيلومتر جراماً لمسافة متر في الثانية المربعة. وبحكم بعده عن الشمس فإن درجة حرارته في المتوسط نحو مائتين وأربعة وثلاثين تحت الصفر، أي اأه شديد البرودة، وسنته مائتان وثماني وأربعون سنة، ومحوره مائل ومنحرف، ويتكون جوه من غاز الميثان والنيتروجين.
كويكب بهذه المواصفات حدث حول تصنيفه جدلٌ كثير بين العلماء، ومازال الجدل قائماً، فقد رأى بعض العلماء أنه ليس كوكباً تاسعاً من الكواكب السيارة حول الشمس كما كان سائداً من قبل، وإنما عددها ثمانية فقط، بعد استبعاده، حيث وضعوا شروطاً ثلاثة لمن تنطبق عليه صفات الكوكب، ويستحق التسمية، وأولها يجب أن يدور الجرم في مدار حول الشمس، والثاني أن يكون حجمه ضخماً بما فيه الكفاية، والثالث أن يكون الفضاء المحيط بالمدار خالياً ونظيفاً، ويزعم المجمع الفلكي أن بلوتو لم يحقق الشرط الثالث، لهذا فهو ليس كوكباً، وإنما كويكب، أو كوكب صغير أو قزمي، لكن علماء آخرين، احتجّوا على ذلك لكون الأرض نفسها لديها القمر الذي يدور في فلكها وهو كبير الحجم، وإذا أخذنا بالغعتبار الشروط السابقة، فهذا يعني استبعاد الأرض والمريخ ونبتون والمشتري، لكن حجة المستبعدين له أن كتلته أقل بكثير من مجموع كتلة الأحجام التي تدور حوله، بينما فضاء الأرض يكاد يكون خالياً إذا استثنينا القمر، وهكذا كان الجدل، وسوف يستمر، ومازال الانقسام قائماً، والجدل حول تصنيف بلوتو مستعراً، وكأن بأحدهم يقول:
وَمِنَ البَليَّةِ عَذلُ مَن لا يَرعَوي
عَن غَيِّهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ
أو كأنهم عندما اشتكوا إلى المجمع الفلكي خطأ التصنيف، ورد المجمع الفلكي عليهم غير المبرر، مع شيء من المكابرة، ينطبق عليهم ما انطبق على أهل السواد بالعراق عندما قدموا إلى الحجاج بن يوسف، يشتكون إليه سوء الحال، ونقص اليد العاملة بسبب أخذ شبابهم جنوداً، فرد عليهم رداً ماكراً، فقال شاعرهم:
شَكَوْنَا إِلَيْهِ خَرَابَ السَّوَادِ
فَحَرَّمَ فِينَا لُحُومَ البَقَرْ
فَكَانَ كَمَا قِيلَ مِنْ قَبْلِنَا
أُرِيهَا السُّهَا وَتُرِينِي القَمَرْ
نعم لقد حرم عليهم أكل البقر حتى يمكنهم استخدامها في الحرث وزيادة المحصول، كما أن ذلك سوف يزيد عدد الثيران، وكأنهم يريدون أن ينظر إلى السهى وهو نجم صغير جداً لا يكاد يرى، وربما أنه بلوتو، ويريهم القمر، ليصرفهم عن ما جاؤوا لأجله.