د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
أبدأ بتأكيد اعتزازي بهويتي كمواطن سعودي، وبتعبير أسمى ما يكون التعبير عن مكونات هُويّة الوطن وهويتنا، وملامح الوطن وملامحنا، الروحية والتاريخية والحضارية، وبالمليك رمزًا للوطن ، مُفاخرًا بما يحتويه سجلُّ مولاي أمد الله في عمره من المآثر، التي تتسع لدروس، يمكن أن يتعلم منها الروّادُ، من قادة الشعوب وقادة الرأي.
فلقد أثبت الملك سلمان أعزه الله، عبر عقود من القيادة الحكيمة، أن الحاكم متى كان قريبًا من خالقه وقريبًا إلى شعبه، يكون قادرًا بإذن الله، على أن ينجح في إدارة شؤون حكمه وسياسة أمور بلاده، دونَ أن يأخذَه الحكمُ وتكاليفه وأعباؤه، بعيدًا عن أولوياته وثقافته واهتماماته، فهنيئًا لنا بسلمان ملكًا.
ولقد جاء تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، مع لحظة تاريخية هامة، ليس في تاريخ المملكة فحسب، بل وفي تاريخ المنطقة العربية، وربما في تاريخ العالم المعاصر، العالم الذي كان يواجه مشهدًا نوعيًّا جديدًا، في الكثير من متغيّراته، وفيما يطرحه من تحديات.
من هنا، كان لزامًا أن يتتبع المراقب وأهل الاختصاص، مواقف الملك سلمان وقراراته، في محاولة لتحليل مضمون خطاباته، واستخلاص توجهاته، واستشراف إستراتيجياته، فقد شكلت قراراته، خصوصًا في الأشهر الأولى من حكمه، تعبيرًا مهمًّا عن حضور المملكة في اللحظة التاريخية، وفي مجالاتها الحيوية والجيوسياسية، وعن توجهاتها المستقبلية في ظل متغيّرات متلاحقة، وعصر كان ولا يزال يموج بالصراعات، ومنطقة عربية كانت ولا تزال تمر بمرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد، ومتغيرات تاريخية، تطلبت إرادة سياسية قوية.
واستدعت اللحظة التاريخية في المملكة رَجُلَها، وجاء الملك سلمان على موعد مع التاريخ، وبإرادة لأداء استحقاقات تاريخية، تواكبُ تطلعات شعبه، وتستنهضُ نداءات أمته.
ولم تكَدْ تمضي عشرة أيام على تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، حتى تداولت وسائل الإعلام الدولية، رأيَ معالي الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون في أداء سلمان، حيث قال: «إن الملك سلمان أنجز في عشرة أيام، أعمالاً يقوم بها الزعماء الجدد خلال مائة يوم».
وحقيقة الأمر أن المائة يوم الأولى من حكم أي زعيم، أو قائد، ملكًا كان أو رئيسًا، تشكل في العادة، المقياس الذي يرصد التّوجّه والاتجاه، ومؤشّرًا للأداء، ودلالة على أسلوب الحكم، وعلامة على إيقاع المرحلة وطريقة الإدارة.
فبلغة الأرقام، فإن الملك سلمان أصدر في نحو أربعين يومًا، أربعة وأربعين أمرًا ملكيًّا، في إعادة لترتيب البيت من الداخل، شملت معظم أركان الدولة والحكم، فمن مجلس الوزراء تغييرًا في الحكومة، إلى الهيئات السياسية، مرورًا بالأجهزة الاقتصادية، في تحديث لإدارة الحكم، وعصرنة لأساليبها، ولكن، مع المحافظة على الجذور والهُوِيّة، والتمسّك بالأصالة عقيدة دينية ووطنية. وقد جاء التحديث، مواكبًا للحظة تاريخية، مجاريًا لنداءات داخلية، وملبيًا لاستحقاقات حتمية.
أما الرياض - حب سلمان وعشقه - التي قال فيها يومًا إن «تاريخ الرياض جزء من حياتي، عايشتها بلدة صغيرة، يسكنها بضعة آلاف من السكان، الذين يمتهنون الزراعة والتجارة المحلية، وعاصرتها حاضرة عالمية كبرى، تسجل حضورها في كل المحافل الدولية، بمداد من العزة والفخار».
وهناك الكثير مما يمكن قوله عن علاقة الرياض بسلمان. فالنهضة الكبرى التي تعيشها الرياض اليوم، لم تكن قفزة سحرية، ولم تأتِ بين غمضة عين وانتباهتها، لكنّها كانت حصادَ عمل وجهد متواصل، حتى باتت الرياض، هي الرياض التي نراها اليوم، وهو ما يشهد للرؤية الإستراتيجية لأمير الرياض سلمان، التي تسلم زمامها، وأشرف على نهضتها.
وعندما يقف المراقب والمتابع أمام صفحة عطاء سلمان في الرياض، العاصمة العالمية الكبرى التي تحولت على يديه، من بيوت متناثرة في الصحراء، إلى حاضرة كبرى ومدينة عملاقة، التي أصبحت أنموذجًا فريدًا في التخطيط الحضاري والتنمية العمرانية، أنموذجًا يضاهي كبريات العواصم العالمية، تخطيطًا وتنظيمًا وجمالاً، ولتكون نقطة جذب سكاني وعمراني، وموقعًا يكشف بعضَ عبقرية المكان، في المملكة الغنيّة أرضًا وإنسانًا.
أما السياسة الخارجية، التي تمثل تعبيرًا أمينًا عن توجهات المملكة، وصورة حقيقية لإنسانها وتاريخها وموقعها، وترجمة موضوعية لخصائصها، وتجسيدًا صادقًا لأدائها، وانعكاسًا لأسلوبها في إدارة مواردها، وتعبيرًا عن قوتها وتأثيرها ونفوذها، فقد كشف أداء الملك سلمان فيها، عن إدراك عميق لحقائق القوة السعودية، فأمسك بمفاتيحها في مختلف مجالاتها، من مركزها الديني، إلى ثقلها الاقتصادي، ومكانتها الإقليمية والدولية.
وقد أكد المراقبون للشأن السعودي السياسي الخارجي، على وجود تغيّر رئيس في التوجهات، منذ صعود الملك سلمان إلى سدّة الحكم، حيث رصد المعنيون بالتغيرات الجيوسياسية السعودية، حضورًا قويًّا وفاعلًا للسياسة الخارجية.
وخير مثال على ذلك، هو أن المملكة في عهد الملك سلمان، قد تخلت عن هدوئها الدبلوماسى المعهود، وأصبحت تتبنى سياسات خارجية نشطة، وباتت تقترح المبادرات، وتشكل التحالفات، فى إطار رؤية واضحة لأمنها الوطني.
وجاءت الجائحة لا بارك الله فيها، لتكشفَ في عهد سلمان سلمه الله، عن موارد وقوى بشرية سعودية هائلة، وتؤكد إمكانات مادية وتنظيمية كبيرة، ومخزون حضاري ثري، واجهت به المملكة أخطار الجائحة بمثال نادر، ونموذج فريد، ووعي منقطع النظير.
وتلى مواجهة الجائحة، إبداع المملكة في تنظيم وقائع قمة العشرين، ليؤكد تلك الموارد والإمكانات والقوى التي تخطت حدودَ المحلية إلى العالمية، نجاحًا وتفوقًا في ظروف استثنائية، وأجواء دولية بالغة الصعوبة والتعقيد، ظروف شديدة الحرَج والخطورة، وفي وقت كانت فيه الكثير من دول العالمُ مرتبكة، تتخبّط يمنة ويسرة في قراراتها وإجراءاتها، فكلما اتخذت قرارًا، عادت وعدَلت عنه، وكلما أقدمت على إجراء تراجعت عنه ورجعت إلى غيره.
ولقد قيل وكتب الكثير عن الملك سلمان، ودائمًا ما وُصِف يحفظه الله بأنه أحد أهم أركان العائلة المالكة السعودية، باعتباره أمين سر العائلة، والمستشار الشخصي لملوكها، وقد وضعته حكمته وموسوعية ثقافته وثراء اطلاعه في تلك المكانة. وقد ظل الملك سلمان طوال العقود الماضية أبرز العقول في دائرة صنع القرار، مشاركًا إخوانَه وأشقاءَه الملوك السابقين طيّب الله ثراهم، في كل قرار وكل أمر يهم الوطن.
وعندما ننظر إلى أداء المؤسسات والجمعيات التي أنشأها الملك سلمان، ونتأمل دورها، ونتعمّق في رسالتها، نجد أنها أسست لمفهوم مجتمعي واسع وشامل في حياتنا الاجتماعية، ورسخت لمنهج فعَّال ومؤثر في خريطة مؤسساتنا الخيرية، وأنموذجاً لمختلف المنظمات التي تتصدى للعمل الخيري والتطوعي، ورائداً في إرساء ركائز العمل المؤسسي، ودافعًا لمنظومة الجمعيات والمؤسسات الخيرية، نحو آفاق تجذبها إلى مزيد من التجذر في بنية المجتمع، ليصبح الخير سلوكًا مجتمعيًّا عامًّا بيننا، ووجدانًا يتسابق إليه الجميع منا.
ولقد نظر المتعاملون إلى الإنسان في شخصية الملك سلمان، فكل يراه من زاوية، أو بحسب موقف، أو من خلال تجربة، فقد احتوت شخصية الملك سلمان سلمه الله، العديدَ من الجوانب والملامح الجاذبة. وقد عبر وزير الإعلام الأسبق، الدكتور محمد عبده يماني يرحمه الله، عن رؤيته للملك سلمان، عندما خاطبه يومًا قائلًا: أصحاب السمو الملكي الأمراء سلمان بن عبدالعزيز، مشيرًا إلى أن سلمان يمتلك قدرات وإمكانات نخبة من الرجال.
لقد كان الملك سلمان ولا يزال، بعطائه الواسع، القدوةَ الصالحة لأبناء وطنه، في كل عمل من العمل الخيري والإنساني، إلى الأداء السياسي الراقي في خدمة المجتمع الدولي، دفاعًا عن قيمه الروحية والدينية والإنسانية، إلى الاقتصاد دفاعًا عن خيرات الشعوب وثرواتها، وتسخيرًا له في خدمة الإنسان، مؤكدًا في كل أداء، ما للعمل من قيمة رفيعة تسمو بصاحبه، وترتقي به إلى أعلى مكان، معظمًا قيمة العمل الفردي، الذي يصب في نهر عطاء المجموع.
وإذا كان ثمة إجماع وطني، حول العلاقة الراسخة بين ازدهار الوطن وتنميته، والمكانة المتميزة التي يحظى بها المواطن في وطنه، فإن ما بلغته المملكة، وما وصلت إليه في مجال تعزيز مكاسب المواطن ومكانته، كان أحدَ إسهامات سلمان البارزة في خدمة وطنه، كما كان جزءًًا من ثمار عمله في استنهاض مجتمعنا، واستنفار إرادات مكوناته كافة، أفرادًا وجمعيات ومؤسسات، ترسيخًا لمبدأ المشاركة، وتعميقًا لقيمة المسؤولية الاجتماعية، ما جعل لقيادته في هذا الإطار، تجربة رائدة وثرية، كان عنوانها الأبرز ولا يزال، بناء العلاقة بين الوطن والمواطن، أيًّا كان حجمُ مسؤولياته، وأيًّا كان موقعه الاجتماعي، ومن دون تفرقة، حيث تجلى نداء «المواطن دائمًا أولًا» حقيقة لا تخطئها العين على أرض المملكة.
لقد جاء مولاي سلمان، في لحظة اختارته فيها العناية الإلهيّة، ليجابه امتحانًا تاريخيًّا للوطن، الذي كان عليه أن يقدم الإجابة، فقد كان السؤال يتعلق بالتحدي في مواجهة المتغيّرات الإقليمية السريعة والمتلاحقة، بينما تضرب الأمة العربية والإسلامية عواصف ضارية، وتترصد لها ريح عاتية، فإذا به يحفظه الله، يكتب على جدارية التاريخ، صفحة مجد سوف تسطر بقلم من نور، وحروف من الفَخار، في موقف قوة.
ودبلوماسيًّا، كان سلمان ولا يزال، مهندس الإدارة السعودية لعلاقاتها الدولية، حريصًا دائمًا على تعزيز العلاقات الدولية للمملكة بزياراته الخارجية، بهدف دعم توجه المملكة الثابت، في إقامة العلاقات الوثيقة بالعالم، ومنها زياراته للشرق والغرب، فقد حرَص الملك سلمان على أن تقيم المملكة علاقات «متوازنة» مع المجتمع الدولي، مبديًا اهتمامًا كبيرًا بتوثيق علاقات المملكة مع شركائها التاريخيين، والاستراتيجيين، والتجاريين.
وكمواطن سعودي يعتز بوطنه وقيادته وهويته، فإنني أفخر بالملك سلمان، فهو رجل الدولة الاستثنائي، الأصيل في شموخه، والأصيل في مناقبه، والأصيل في سيرته، نسأل الله أن يبارك لنا في عمره، ويعينه وسمو ولي عهده الأمين، على إكمال مسيرتهما التنموية الواعدة. والله من وراء القصد،،،