د.أمل بنت محمد التميمي
مع إطلاق رؤية 2030 بالمملكة العربية السعودية هل يمكننا أن نكتب أدب رحلة ترفيهي في السعودية؟ على راحلة في قلب الجزيرة العربية يمكن أن نكتب أدباً ترفيهياً له مذاق خاص، على أرض السعودية بثقافة سعودية ممزوجة بثقافات مختلفة في وطننا السعودية، أدب له هوية سعودية بثقافة عالمية تستوعب كل الثقافات ولا تذوب فيها، وهذا الأدب له عناصر وأدوات جديدة ولكن بهوية صنعت في وطننا السعودية. هذه التساؤلات هي موضوع كتاب يتواكب مع رؤية السعودية 2023 بعنوان (رحلاتي الترفيهية في السعودية)، بدأتُ فيه بالرحلة إلى الدرعية ثم تغيرت وجهة هذه الرحلة بزيارة الدكتور عبد الله دحلان.
زارنا رئيس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا الدكتور عبد الله صادق دحلان بالرياض في 23 ديسمبر 2023م، وذهبنا أنا والدكتور صالح بن معيض الغامدي ونوف الربيعة لاستقباله والسلام عليه في مقر إقامته في فندق (فيرمونت)، ومن ضمن الأحاديث سألني عن جديدي القادم، فقلت له بصوت ملؤه السعادة: إنني أكتب عن فن جميل تطور في السعودية، ويمكن ممارسة الكتابة فيه في وطني، وهو (أدب الرحلة الترفيهي). وكنت أتحدث مع دكتور عبد الله صادق دحلان عن هذا الأدب الذي بدأت أكتب فيه انطلاقاً من الدرعية، فقال لي بصوت جهوري وقوي: «أدب الرحلة يتطلب حقيبة سفر وتذاكر، طلبتك وقولي تم، تجين جدة لتترفهي وتكتبي عن رحلتك في جدة، ونستضيفك في بيت الدكتور شهاب جمجوم وكيل وزارة الإعلام السابق، وترين جدة من كل اتجاهاتها، وتذهبين في رحلة بحرية قصيرة، ثم بعد ذلك نزورين جدة القديمة، وجامعة الأعمال والتكنولوجيا، وتقضين يومين، ويرتب لك الحجز في فندق الهيلتون.. وبذلك تكون جدة إحدى محطات رحلتك». فقبلت استضافة دكتور دحلان ومعي ابنتي مناير، ومعي بعض الصديقات.
يبدو أن الرحلة القصيرة تمدك بالمتعة والفائدة والعلاقات الإنسانية، كانت وجهتنا من الرياض إلى جدة ولمدة يومين، وكان يوم السفر الثلاثاء (26 -12-2023م) والعودة الخميس (28-12-2023م). صعدنا الطائرة على الخطوط السعودية وجلسنا في المقدمة، والسفر على الخطوط السعودية يشعرك بالأمان وكذلك برفاهية السفر على مستوى الاستقبال والأكل وراحة المقعد وشاشات الترفيه وكاميرات متابعة خريطة الرحلة لخارج الطائرة. وبعد نزولنا من الطائرة، أول مشهد يبهرنا حين وصولنا (مطار جدة) الواسع والمرتب والذي ترى فيه كل الأجناس، وفيه طابع معماري فريد خاص لا يشبه أي مطار في العالم، حيث ترى في قلب مطار الملك عبد العزيز الدولي (الأكواريم) الزجاجي الأزرق بكل تدرجاته وتداخله مع لون المرجان الجميل، ويبدو أنه أكبر حوض سمك بالعالم في المطار، ويخيل للناظر إليه أنه يرى أعماق البحر الأحمر بمرجانه وأسماكه، ويبهرك بجمالياته وتفاصيله، وصفاء المياه فيه وتوزيع الإضاءة. ويزيد من فخامة هذا المطار طريقة استقبال المسافرين وبشاشة موظفيه، وخرجت من المطار لأجدَ سيارةً فارهةً في استقبالي. استقبلنا السائق وأخبرنا بأن د. عبد الله ود. شهاب سيكونان في انتظارنا الساعة الرابعة والنصف عصراً على أعلى قمة في جدة.
وصلنا فندق الهلتون، وبسرعة فائقة أنزلنا حقائبنا استعداداً للتوجه إلى بيت د. شهاب جمجوم، ثم سرنا على واجهة البحر الأحمر الجميلة. لم تكن المسافة بين فندق الهلتون وبيت جمجوم بعيدة، تسع دقائق تقريباً. وكنا نحن نسير على شاطئ البحر كانت الغيوم تسير معنا وتتجه إلى الشمس فيزيد جمالها جمالاً، فقد اختلط اصفرار الشمس بالغيوم فأصبحت ألوانها برتقالية تميل إلى الحمرة، وكانت تتجه معنا إلى بيت جمجوم. ثم اتجهنا إلى معلم سكني بارز على كورنيش جدة، دخلنا إلى بوابة رسمية أمامها برج عالٍ جداً، وكانت البوابة الداخلية للبرج من الرخام الأبيض مكتوب عليها بعض الآيات القرآنية، وشلال زين بالورد الأحمر.
صعدنا إلى (الدور 13) وفُتح المصعد على بوابة أشبه بمتحف اللوفر الذهبي، ملئت أسقف صالة الاستقبال بالصور والرسومات والمجسمات، وتصاعدت أصوات المستقبلين وتداخلت بالترحيب، ولقينا الجمال كله في استقبال د. شهاب جمجوم وأخته البتول وابنه المهندس محمد مكي وابنتيه، ومعهم الدكتور عبدالله دحلان وزوجته سحر، ودخلنا إلى صالون استقبال واسع وطويل، ورأيت في صدر المجلس صورة قديمة تجمع الدكتور شهاب والدكتور عبد الله ومعهما أشخاص آخرون، فاستقبلونا بالقهوة والتمر المحشو باللوز والمكسرات، فكل عاملة كانت تحمل ما لذّ وطاب من أنواع التمور، ثم طلب منا الصعود إلى سطح البيت لنرى غروب الشمس على شاطئ البحر الأحمر. صعدنا مصاعد أخرى غير التي صعدنا بها قبل ذلك، وكانت تصحبنا كل عبارات الترحيب والحفاوة والتكريم، ووجدنا العاملات في استقبالنا ومعهن العصائر الطازجة، وصوت الدكتور شهاب وصوت الدكتور دحلان يصاحبانا تارة بالترحيب وتارة بالتعريف بمعالم جدة من الأعلى، واختلط جمال الطبيعة بجمال المعمار ليبدو الحسن كله، البحر أمامنا والشمس تدنو من البحر وكأنها لوحة فنية في السماء، وعلى يميننا الواجهة البحرية ومعالم جدة الترفيهية، وخلفنا منطقة الفعاليات الترفيهية الجديدة (آسيا الصغرى) وعن يسارنا تبدو مدينة جدة بكل تفاصيلها، ونرى الحدائق والمسابح فوق العمائر، وتسكن روحنا تلك المنظار الجميلة.
وجلسنا في هذه الإطلالة البانورامية مع سيدات جميلات من سيدات جدة، وهن السيدة البتول جمجوم والسيدة سحر زوجة الدكتور دحلان، ثم انتقلنا إلى مائدة طويلة مطلة على مسبح فيها ما لذ وطاب من الأكلات من طبخ أهل البيت وتطوف علينا العاملات ويشعرونك بالكرم الجداوي. لقد كشف جمال هذه الزيارة عن التواصل الأسري في بيت جمجوم الذي تربطه صلة رحم بالدكتور دحلان، فابنتاه تضيفان بحب وبشاشة وابنته الأخرى المسافرة في سويسرا ترسل طبق (السلطة) ترحيباً بالضيوف من هناك. أما أخته البتول فتعتذر عن غياب زوجة شهاب ماجدة عمر جمجوم لأنها كانت آنذاك في زيارة لأخيها الدكتور محمد عمر جمجوم في المستشفى. ورغم الظروف المرضية التي كان يمر بها أخوها فقد فتحت بيتها للضيوف وجاءت بعد ذلك معتذرة ومرحبة. أعجبني الترابط الأسري الذي عكسه الاستقبال والود الذي كان بينهم.
وقد ذكرتني هذه الزيارة لبيت جمجوم -وهو من أعرق بيوتات جدة - بالزيارة التي قام بها الملك عبد العزيز -رحمه الله- لبيت نصيف وأكسبته القيمة التاريخية، وهذا البيت الجداوي العريق يعكس المعلم الحضاري الإنساني الجميل.
أمضينا أمسية جميلة في منزل الدكتور شهاب جمجوم أبدعت فيه زوجته وبناته بأنواع الطبخات التي اشتهر بها أهل جدة وكذلك أطباق عربية متنوعة منها أكلة (البسطيلة) وهو طبق تقليدي مغربي. يعد من المعجنات المصنوعة من العجين والمحشوة بالحمام، والبقدونس، والكزبرة، والبيض المسلوق واللوز، خليط من الحلو والمالح، بنكهة القرفة. وهذه هي المرة الأولى أجرب هذه الأكلة اللذيذة وغيرها من الأطباق الشهية، خرجت من أعلى قمة في جدة وبي همة جميلة لصناعة المجد بالعلم وخدمة الوطن والكرم.
خرجنا من بيت جمجوم واتجهنا بتوصية من الجميع إلى منطقة «آسيا الصغرى» وهي مكان ضمن تقويم فعاليات جدة 2023، وهذه الفعالية كانت قريبة جداً على خطوات من بيت جمجوم، ووجدنا حضورًا جماهيريًا كبيرًا من الأهالي والزوار والسياح وبها عدد كبير من الفعاليات والأنشطة فيما يقارب 12 منطقة ترفيهية و8 دول آسيوية، وهي: تايلند، واليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وإندونيسيا، وفيتنام، وسنغافورة، والصين. ولكننا فضلنا أن نستمتع بالتجوال في شوارع جدة فالجو لطيف وجدة تتميز بالمجسمات الجميلة، وبعدها ذهبنا إلى ممشى الواجهة البحرية وقابلتنا الدكتورة الريم الفواز، في (ممشى الألوان) سرنا مع الدكتورة الفواز على مسار المشاة، وشاهدنا نافورة جدة، واستمتعنا بالمشي والتنزه بمقاهي الواجهة البحرية.
كانت أحداث اليوم الأول كثيرة حتى حسبت أن اليومَ قد امتد إلى أيام، تعددت الزيارات والمشاهدات واللقاءات بالأحبة والأصدقاء، وفي آخر الليل استمتعنا بسهرة جميلة على شاطئ البحر الأحمر، ثم ودعنا ذلك اليوم لنستقبل يوم جديد.
وفي يوم الأربعاء قمنا بزيارة جامعة الأعمال والتكنولوجيا (UBT)، واستقبلنا وفد كبير في مقدمته الدكتورة ضحى أبو السعود (ابنة الدكتورة نبيلة محجوب)، والأستاذة مي اللويحق، وقمنا بزيارة جميع مرافق الجامعة التعليمية والترفيهية والفنية. في كل محطة من محطات الاستقبال يستقبلنا أساتذة يشرحون لنا البنية التعليمية في الجامعة وإستراتيجياتها العالمية. من هؤلاء الأساتذة الأفاضل عميد كلية القانون الدكتور هاني الجحدلي الذي شرح لنا (محاكاة المحكمة الافتراضية) ومعه الدكتورة سوزان غنيم، وكذلك قابلنا الدكتورة هتون القاضي مديرة مركز تطوير التعليم والتعلم في كلية الإعلان ومعها فريق كبير يشرح لنا آلية عمل الإستوديوهات الكثيرة والمتعددة في جامعة الأعمال والتكنولوجيا، وكذلك زرنا إستديو الصوت الذي أطلقت عليه الجامعة اسم (محمد عبده)، وأعجبتني كثيراً ظاهرة جميلة لاحظتها في جامعة الأعمال والتكنولوجيا، وهي إطلاق الدكتور دحلان على قاعات الدراسة أسماء الأساتذة الذين درسوا في الجامعة وفاء وتقديرا لهم، مثل قاعة (رفيدة خاشقجي)، وكذلك قاعة (فتيحي) تقديراً لإسهاماته في مجال الأعمال، وقاعة الدكتورة (حنين محمد شعيب) تقديرا لمجهوداتها في صنع علامة فارقة بالكلية. وتمنيت أن أُدرّس في جامعة الأعمال والتكنولوجيا أملاً في أن يطلق على قاعة من القاعات الدراسية اسمي، ويا ليت هذه الظاهرة تنتشر في كل جامعات السعودية بأن لا تكتفي بأن تطلق لأسماء بارزة على قاعات الاحتفالات ونضع أسماء الأساتذة على القاعات الدراسية. ودحلان له السبق في هذه الظاهرة المبدعة والجميلة.
قدمت وكيلة عمادة شؤون الطلاب في جامعة الأعمال والتكنولوجيا الدكتورة ضحى أبو السعود، رؤية الجامعة للتطورات الحديثة في البحث العلمي والتجهيزات وتمكين المرأة وأسباب الاهتمام بأماكن الترفيه في الجامعة التي تحظى باهتمام كبير ولافت بتوجيه مباشر من الدكتور دحلان، حتى تكون الجامعة بيئة جاذبة وآمنة وممتعة ومفيدة يستثمرها الطلاب والطالبات، كنا نشاهد مرافق وتجهيزات متطورة معزّزة بأحدث التقنيات التعليمية تجعلها مرجعية يحتذى بها في مجال التعليم الجامعي الأهلي. وفي الوقت نفسه تعكس الصورة الحضارية التي وصل إليها التعليم الجامعي الأهلي السعودي.
ثم طفنا على جميع مرافق الجامعة والمعارض الفنية فيها والمكاتب بما فيها مكتب الدكتور دحلان. وانتهى بنا المطاف إلى اللقاء مع الفريق الأكاديمي والإداري للجامعة منهم، الدكتور حاتم عقيل وكيل الجامعة للشؤون الأكاديمية، والدكتور محمود باعيسى مستشار الدكتور عبد الله دحلان، والدكتورة رانيا باعشيرة وكيلة كلية الهندسة، والدكتورة بسمة الزين عميدة البحث العلمي والدراسات العليا في جامعة الأعمال والتكنولوجيا، والدكتورة أسماء الحكمي، لنتناول طعام الغداء معاً.
سعدت كثيراً لما قدموه الأساتذة من جولات تعريفية بمبنى الجامعة الجديد بالكورنيش ومرافق جامعية متميزة من مسارح ضخمة ومعامل كمبيوتر ذات تقنية عالية وإستديوهات صوت وتصوير وفيديو وتلفزيون ذات معايير عالمية بالإضافة للمحكمة الافتراضية و قاعات الدراسة بنظام التعليم المدمج ( Hybrid Classes).
خرجنا من الجامعة وبي همة إلى القمة، أغدق علينا الدكتور دحلان بالهدايا التذكارية التي تحمل شعار الجامعة، وكذلك سجاد من النسيج الفاخر منسوج عليها أسماء الله الحسنى على شكل ستارة جدارية، وقد أوصى الدكتور دحلان عند توديعنا أن يقوم السائق بترفيهنا في أرجاء مدينة جدة، فزرنا الأسواق والأحياء، زرنا الميناء، وسرنا في أحياء جدة التحلية والشاطئ والمحمدية، وزرت صالونات التجميل الشهيرة في وسائل التواصل الاجتماعي. فجدة هي التجارة وهي الحضارة.
وزرت أهم المعالم التاريخية بجدة (منطقة البلد)، وشاهدت التنظيم الذي بيّن جماليات جدة القديمة بعد أن أزيلت بعض الأحياء العشوائية، وزرنا باب مكة ورأينا بعض المباني التي تم ترميمها والخشبيات والزخارف، وأماكن لبيع الجملة، ومركاز العمدة. ومدرسة الفلاح التي تخرج منها بعض أعلام السعودية وأدبائها، ورأينا بيت نصيف شامخاً يشبه شموخ الملك عبد العزيز - رحمه الله.
ورأينا بعض متاحف جدة ومنها متحف عبد الرؤوف خليل، ومقتنيات المتحف تعكس تاريخ جدة والتراث السعودي الجميل. ومما يمز جدة من ناحية الأكل مركز الأسماك، فمدينة تجد فيها كل الأكلات ومعظم الثقافات العالمية، كل ثقافات العالم موجودة في هذه المدينة.
لقد كانت هذه الرحلة أحلى ختامية للعام 2023م، وبداية جميلة للعام الجديد 2024م، أسأل الله أن يجعله عام خير وأمن ورخاء وازدهار على المملكة العربية السعودية قيادةً وشعباً، وأن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا من كل سوء ومكروه.
** **
- استاذة بجامعة الملك سعود