خالد محمد الدوس
فقدتْ الرياضة السعودية يوم الثلاثاء الماضي أحد رجالاتها الأوفياء والعصاميين الذين خدموا مسيرتها على مدى أربعة عقود من الزمن.. برحيل د. صلاح بن أحمد السقا الذي وافته المنية بعد معاناته المرضية عن عمر يناهز الـ60 عاماً, تغمده الله بواسع رحمته.
علاقتي مع فقيد الرياضة السعودية الخلوق جداً (أبو أحمد) بدأت قبل ما ينيف عن عقدين من الزمن.
وتشرَّفت بمعرفة قامة علمية أكاديمية رياضية متخصصة في علم النفس الرياضي فرع دقيق وحيوي من فروع علم النفس العام الذي يهتم بدراسة السلوك والخبرة والعمليات العقلية والفكرية المرتبطة بالرياضة بمختلف أشكالها ومجالاتها, وذلك بهدف فهم السلوك والتنبؤ به والتحكم فيه من أجل العمل على تطويره والارتقاء به وإيجاد الحلول العملية التطبيقية لمختلف المشاكل في الرياضة التنافسية أو التربوية أو الترويحية.
وتعمقت العلاقة أكثر معه -رحمه الله تعالى - من خلال نشاطي المهني مع صحيفة الجزيرة كمعد سابق لصفحة تاريخية عن سيرة الرياضيين القدامى لاعبين وإداريين خدموا الحركة الرياضية في سنوات خلت، إلى جانب التحقيقات الرياضية المتنوعة في المجالات العلمية والتربوية التي أجريتهاوكان د. صلاح السقا أحد فرسانها (مشاركةً واستشارةً) كخبير رياضي وأكاديمي نفساني متمرس في الجوانب العملية والعملية في قالبها الرياضي.
حياة الخلوق جداً (أبو أحمد) الاجتماعية كانت عامرة بالكفاح والعصامية؛ فبعد دراسته في المرحلة الثانوية توفي والده - رحمه الله- وهو الابن الأكبر فتحمّل مسؤولية رعاية إخوانه ووالدته -الذي كان بارَّاً بها- وهي مفتاح نجاحه وفلاحه في حياته العلمية والعملية بعد توفيق الله تعالى، ليلتحق بالدراسة في جامعة الملك سعود في كلية التربية في عقد الثمانينيات الميلادية, وبذات الوقت كان يمثّل فريق الرياض في خط الدفاع ويعمل في (عمل حر) من أجل توفير لقمة العيش لأسرته التي يعولها, فكان نموذجاً رائعاً عند محبي ورجالات المدرسة آنذاك يضرب به المثل في كفاحه بحياته الاجتماعية العصامية التي كانت قاسية بكل تفاصيل الهمة وجزيئات الحياة البسيطة في الماضي الجميل..!
وبعد تخرّجه من الجامعة بتفوق ابتعث لمواصلة تعليمه العالي من أعرق الجامعات الأمريكية (جامعة بيتسبرج العريقة التي تأسست قبل أكثر من 300 سنة) حتى نال شهادة الدكتوراه في تخصص دقيق وحيوي (علم النفس الرياضي والنمو والتطور البدني) فعاد لأرض الوطن عام 1996 وهو متسلح بالعلم والمعرفة فخدُمه بأبحاثه الرصينة ودراساته الثرية المجالات الرياضية والأكاديمية والتعليمية والإدارية ككفاءة عالية وقدرة بارعة فضلاً عن خبرته الرياضية كنجم دولي سابق مثَّل المنتخبات السنية في فترة ماضية..
ساهم كنموذج للرياضي المتعلّم والمستنير الذي جمع العلم والفكر والقيم والنجومية والإدارة.. في تطوير ونشر بعض الألعاب الرياضية ومنها لعبة كرة القدم للصالات المغلقة التي كان أول رئيس لها، إلى جانب عضويته السابقة في مجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم.كما اتجه للعمل الرياضي الأكاديمي (أمنياً عاماً ومستشاراً) في الاتحاد الرياضي للجامعات السعودية, وعمل بلجان محلية ودولية ومنها عضويته في الجمعية الأمريكية للصحة والتربية.. ونجح في هذه المهام بامتياز. وخلال السنوات الخمس الماضية عانى - رحمه الله- من مرض عضال وحتى في أزمته المرضية لم يتخل عن عشق ناديه العريق (الرياض) الذي قدمه لساحة الشهرة والأضواء كنجم صلب في خط الدفاع في الثمانينيات الميلادية مثَّل وطنه في المراحل السنية. وظل عنواناً ورمزاً للوفاء الرياضي لمدرسة الوسطى يتابع ويدعم مسيرتها حتى عاد النادي العاصمي لمكانه الطبيعي في دوري الكبار.
رحم الله فقيدنا الغالي (صلاح السقا) الذي كان من الرياضيين القلائل الذين جمعوا في مسيرتهم الناجحة.. الخلق الرفيع, والأداء المتميز، والتحصيل العلمي العالي كأول لاعب سعودي ينال شهادة الدكتوراه في تخصص حيوي «علم النفس الرياضي والنمو والتطور البدني» من أعرق الجامعات العالمية.
رحل الخلوق جداً (أبو أحمد) جسداً وبقت سيرته العطرة حاضرة في الذاكرة الرياضية والأكاديمية السعودية.. تغمده الله بواسع رحمته.