اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لا شك أن ما يحصل في غزة من قتل للإنسان وتدمير للمكان في إبادة جماعية وتدمير للبنى التحتية، وما ينطوي عليه ذلك من تهجير قسري وتطهير عرقي يتجاوز قطاع غزة إلى الضفة الغربية والأرض المحتلة بكاملها، كل هذه الممارسات المنكرة والحرب القذرة تمثل مرحلة من مراحل تنفيذ المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يهدف إلى تكريس وجود الدولة اليهودية ويفسح المجال أمامها للتوسع وامتداد النفوذ في المنطقة بما يضمن أمنها واستقرارها ورسم خريطة جديدة ذات مجال حيوي يعتمد على أساس قوي على حساب الوطن العربي.
وفي الوقت نفسه فإن هذا المشروع يهدف إلى خدمة مصالح وأهداف القوى التي زرعت هذا الجسم الغريب في قلب الوطن العربي وتدعم وجوده وتتولى حمايته والدفاع عنه، بوصفه قاعدة متقدمة لهذه القوى تنطلق منها لحماية مصالحها وتكريس نفوذها في المنطقة.
ويلتقي المشروع الأمريكي مع المشروع الصهيوني عند جملة أهداف، يأتي في مقدمتها تفتيت الدول العربية وتمزيقها وتحويلها إلى دول فاشلة وكيانات مبعثرة ومتنافرة تغلب عليها المذهبية والطائفية في غياب المرجعية الوطنية والقومية والدينية كما هو حاصل في كل من سوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان والعراق، الأمر الذي يؤدي إلى السيطرة على الدول العربية والتحكم في مصيرها عبر مصادرة إرادتها واستنزاف طاقاتها ونهب ثرواتها والاستفادة من موقعها الجغرافي ومركزها الحضاري والديني. والواقع أن المشروع الصهيوني يعد جزءاً من المشروع الأمريكي الغربي وأداة فاعلة من أدواته لا يستقيم بدونه، حيث إن تكفل أمريكا والدول الغربية المتحالفة معها بحماية الدولة اليهودية وضمان أمنها والدفاع عنها خلق الذرائع والمبررات التي تتخذ من هذه القوى جسراً تعبر من خلاله للتدخل في شؤون المنطقة العربية واقتناص الفرص والوسائل التي تحول بين هذه الدول وبين أي مسار يجمع كلمتها ويزيد من قوتها ويوحِّد سياستها. والاسترايجية الأمريكية بشأن حماية الدولة العبرية والدفاع عنها تتفق مع استراتيجية الحركة الصهيونية والقوى الأوروبية الاستعمارية التي أوجدت هذه الدولة على أرض فلسطين لفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه توطئة لتجزئة هذا الوطن ومحاولة استبدال الدول ذات السيادة والانتماءات الدينية والقومية والوطنية بدول فاشلة تضم طوائف مذهبية وعرقية متنافرة ومتناحرة تفتقر إلى المرجعيات الانتمائية الجامعة، وقد تطرق إلى ذلك مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي في كتابه «بين جيلين».
ولتجسيد هذه الاستراتيجية على أرض الواقع ومن أجل الهيمنة الاستراتيجية وتنفيذ المشروع الاستعماري والمخطط التدميري لم تترك الإدارات الأمريكية طريقاً إلا طرقته ولا وسيلة إلا استخدمتها إلى درجة أنها لجأت إلى وضع استراتيجية جهنمية ذات أبعاد دولية تتثمل في صناعة الإرهاب حيث صنعت القاعدة في عهد بوش الابن وصنعت تنظيم الدولة في عهد أوباما، متخذةً من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ذريعة لتنفيذ مخططاتها تحت غطاء إعلان حرب عالمية على الإرهاب تستطيع عن طريقها استغلال نظام العولمة وتطويعه لما يخدم مصالحها، وكذلك تفعيل نظرية الفوضى الخلاقة كما حصل فيما يعرف بالربيع العربي وفرض سياسة القطب الواحد للسيطرة والهيمنة.
وتفتيت الوطن العربي وتقسيمه إلى كيانات فاشلة وجعله مسرحاً للصراعات والفتن بقدر ما يخدم ذلك قوى الاستعمار والإمبريالية ويحافظ على مصالحها، بقدر ما يضمن أمن الكيان الصهيوني ويحافظ على وجوده كدولة معترفاً بها وذات مكانة في المنطقة. وتخادم المشروعين يتخذ أبعاداً ثقافية واقتصادية وأمنية تتمكن على ضوئها أمريكا والدول الغربية وصنيعتها العبرية من الهيمنة على المنطقة عن طريق الغزو الثقافي والفكري، وما يعنيه هذا البعد من إحلال القيم الدخيلة محل القيم الأصيلة واستبدال أفكار الأمة الصحيحة بأفكار وافدة ومستوردة.
وعلى صعيد البعد الاقتصادي فإن الثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية التي تتوفر لدى الأقطار العربية فتحت شهية الدولة العبرية والدول الراعية لها، وجعلت المنطقة محل تنافس هذه القوى واهتمامها وذلك لما تمثله من شريان للحياة بالنسبة للدول الصناعية والاقتصاد العالمي. وبالنسبة للبعد الأمني فإن الوجود الأمريكي والغربي في الوطن العربي يترتب عليه إضعاف الدول العربية وزعزعة استقرارها وتأجيج خلافاتها وحرمانها من عناصر قوة الأمن المطلوبة، وبالتالي إضعاف أمنها القومي مقابل تدعيم أمن الدولة العبرية وضمان تفوقها العسكري على محيطها العربي.
والقوى صاحبة المشاريع يجمع بين مشاريعها قواسم مشتركة تتمثل في أطماعها الاستعمارية في خيرات وثروات الوطن العربي وأهدافها الجيوسياسية للتوسع على حساب هذا الوطن علاوة على محاولاتها المستميتة للنيل من الدين الإسلامي الصحيح والتقليل من شأن القومية العربية وتاريخها الديني والحضاري، وذلك نتيجة لدوافع معادية للدين وأطماع استعمارية بالنسبة للقوى الكبرى يضاف إليها تراكمات تاريخية واعتبارات ثأرية بالنسبة للدول التابعة.
ورغم الوضع المتردي للأمة العربية والموقف الحرج الذي تمر به نتيجة للتفريط في تبني مشروع قومي جامع لمواجهة المشاريع الاستعمارية الأجنبية فإن ما تملكه الدول العربية من قوة بشرية وموارد اقتصادية وثروات طبيعية يؤهلها لكي تُصلح ما أفسده التفريط وسوء التخطيط وذلك بالإسراع في بناء مشروع قومي للدفاع عن الوجود والبقاء ضد الأعداء من قوى الاستعمار ودول الجوار. والأمة العربية مهما طال سباتها وخذلتها تنظيماتها الطائفية والمذهبية، فلابد لها من النهوض من كبوتها والاستيقاظ من غفلتها في سبيل استعادة هويتها والمحافظة على ثقافتها وقوميتها ووجودها رغم محاولة الغزاة المعتدين والدخلاء الوافدين والجيران المتربصين.
ومهما كانت دوافع عملية طوفان الأقصى وما يدور حولها من تساؤولات ونجم عنها من خسائر بشرية مؤلمة ومرت فيها الأمة بمرحلة تاريخية مظلمة، فهي تشكل مرحلة حرجة ومحطة من محطات شعب مناضل ومكافح يخوض صراعاً مريراً لتحرير أرضه وصيانة عرضه ضد عدو محتل مدعوم من قوى خارجية، الأمر الذي يتطلب التفاف الأمة حول قياداتها وتجاوز عثراتها والدفاع عن قضية فلسطين العادلة والتحسب لما هو قادم والعاقل هو الذي يعرف الأمور وهي مقبلة أما بعد وقوعها وإدبارها فإنها تكون معروفة للعاقل والجاهل.