د.عبدالعزيز بن سعود العمر
ظهرت في الغرب فلسفات كثيرة في التعليم، ولعل أقرب فلسفة غربية تنطبق على تعليمنا التقليدي هي الفلسفة الأساسية (Essentialism)، وهي فلسفة ترى أن المعلم هو محور العملية التعليمية، وتؤكد على العقاب البدني، ولا تعتني بتعليم مهارات التفكير، لاحقاً تجاوز العالم هذه الفلسفة بظهور العالم التربوي الأمريكي الفذ جون ديوي الذي أدخل أفكاراً تقدمية في التعليم مثل ديموقراطية التعليم والليبرالية في التعليم. والتعليم الليبرالي (liberal education)، هو فلسفة حياة شاملة تعطي قيمة مركزية عليا للحرية الفردية، وهي اليوم تمارس وتطبق في جوانب مختلفة من حياة أغلب المجتمعات الإنسانية، ففي الجانب السياسي هناك الليبرالية السياسية التي تؤكد حماية حقوق الأفراد، والمساواة بين الناس أمام القانون، وفصل وتوازن السلطات الثلاث، وتعزيز قيم ومبادئ الديموقراطية، وحفظ حقوق الأقليات، وتخفيض القبضة المركزية الحكومية.
وهناك أيضاً الليبرالية الاقتصادية، وهي تؤكد حرية السوق، وحق الملكية الفردية، وحرية التجارة، وتمنح القطاع الخاص مساحة أكبر. أما في الجانب الاجتماعي فقد ظهرت الليبرالية الاجتماعية، وتمثلت في تعزيز قيام مؤسسات المجتمع المدني، والتأكيد على قيم جوهرية مثل حرية التعبير وحرية المعتقد، والتسامح وتساوي الحقوق الإنسانية ونبذ العنصرية. أما في عالم التربية - موضوع هذه المقالة- فقد برزت الليبرالية كإحدى الفلسفات التي شكلت قيم ومبادئ وممارسات التعليم في العقود الأخيرة. خصوصاً في مرحلة التعليم الجامعي، الليبرالية التعليمية تعد الطالب لعالم يتزايد تعقيداً وتغيراً وتنوعاً، وتمنحه مساحة من الحرية ليختار ما يتعلمه وكيف يتعلمه ومع من يتعلمه، وتحترم كينونته ومشاعره كإنسان له ميوله ورغباته الخاصة، في التعليم الليبرالي (Liberal Education) يتم تحرير عقل المتعلم من سيطرة المهارات العملية التدريبية المتمثلة في الإنتاج المهاري اليدوي المبرمج، ليتم إطلاق العنان لملكاته وخياله وقدراته النقدية التحليلية التواصلية العليا في فضاء أوسع وفي مناخ من الحرية، وذلك من خلال دراسته لمقررات مثل الفلسفة والمنطق والرياضيات واللغة والفنون التي تطلق العنان لخيال المتعلم ولتفكيره ليستطيع مواجهة كل ما يستجد من متغيرات في حياته الشخصية والمهنية.