فائز بن موسى الحربي
بحث: د. فائز بن موسى البدراني الحربي:
تظل الوثائق هي المصدر الأول، والأكثر دقة ومصداقية في المعلومات التاريخية؛ وقد أفادتنا وثائق الغاط التي سبق نشرها في إعطاء معلومات، لم تكن معروفة من قبل عن قِدَم إمارة السدارا في الغاط، كما صححت بعض الروايات غير الموثقة التي كانت شائعة ومتناقلة. ففي تلك الوثائق اطلعنا على أقدم إشارة موثقة لإمارة حسين بن أحمد بن عبدالله السديري في وثيقة غير مؤرخة، لكنها كتبت قبل وفاة كاتبها عام 1123هـ بسنوات. كما أشارت إحدى الوثائق إلى إمارة سليمان بن حسين السديري عام 1183هـ، وإلى إمارة تركي بن محمد السديري، وهو الأخ الأكبر للأمير أحمد (الأول)، في وثيقة مؤرخة سنة 1224هـ.
وبين أيدينا هنا عدد من الوثائق التي لم يسبق نشرها، تتضمن معلومات مهمة، وإشارات تاريخية جديدة فيما يتعلق بقدامى أمراء أسرة السدارا، وتكشف معلومات جديدة عن الجد الجامع للفروع الباقية من أسرة السديري أمراء الغاط، وهو محمد بن تركي بن سليمان السديري، وأبنائه.
أما الوثيقة الأولى من هذه المجموعة الجديدة، فيقدر تاريخها في حدود سنة 1195هـ، وهي وصية سَلْمَى بنت علي بن حسين السديري، ويستفاد منها أنها زوجة محمد بن تركي السديري، ووالدة ابنه تركي، وأن تركي هو أكبر إخوانه أبناء محمد المذكور، حيث جعلته ولياً على وقفها، فقالت: (...والولي على ذلك ابنها (تركي) إلين يرشدون الباقين، وعقب -أي وبعد ذلك- كل ولي على قدر نصيبه، من احتاج فيأكل ومن اغتنى فيُضَحِّي، شهد على ذلك (مقحم بن تركي)، شهد به وكتبه راجي عفو ربه الكريم (علي بن سليمان بن إبراهيم).. إلى آخر الوصية).
وكاتب الوصية هو الشيخ علي بن سليمان بن إبراهيم بن فداغ، وهو من قدماء كتبة الوثائق في الغاط؛ فقد ورد اسمه كاتباً لعدد من الوثائق، ومنها وثيقة مؤرخة سنة 1197هـ.
أما الوثيقة الثانية؛ فإنها وإن كانت غير مؤرخة؛ إلا إنه أمكن تقدير تاريخها التقريبي في حدود 1229هـ، من خلال ارتباطها بوثيقة أخرى، وكذلك بدلالة الأسماء المذكورة فيها، ومن ذلك الإشارة إلى الأمير عبدالكريم بن معيقل، وسيأتي تعريفه، وإلى كاتبها عتيق الفداغ. كما أنها تتضمن الإشارة إلى غزوة بقيادة الأمير محمد بن تركي بن سليمان السديري، وشارك فيها ابنه تركي بذلول لـ ابن بدر، وفيما يلي نص الوثيقة: (بسم الله الرحمن الرحيم.. الذي يعلم به الأخ (عبدالكريم بن معيقل) بعد إبلاغ السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد من جانب ذلول (ابن بدر) فاللي أنا أخبره إنه جانا مغزا على حياة (محمد السديري) -الله يعفي عنه- وإلى حِنّا علينا عازة من الركاب، واستدناها الأمير-يعني تركي بن محمد بن تركي السديري، وغزَّاها، و(ابن بدر) غايب ما حضر، وقال الأمير إلى جاء إن شاء الله عطيناه كَرْوَتها، وغزوا عليها، وقدَّر الله عليها إنها تلفت، وتوفي -الله يعفي عنه- وهو يطلبه، ما علمنا جاه شيء، شهد على ذلك كاتبه أخيك (عتيق)، يبلغك وإخوانك السلام.. إلى آخر الرسالة).
وعبدالكريم بن معيقل: من أهل القراين في إقليم الوشم، عيَّنه الإمام سعود (ت1229هـ) في إمارة المجمعة، قبل سنة 1229هـ، ثم خلفه ابنه عبدالله بن عبدالكريم بن معيقل. (تاريخ ابن بشر، مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، 1423هـ، ص226و ص284).
أما الوثيقة الثالثة؛ فيقدر تاريخها في حدود سنة 1229هـ - أيضاً، بدليل أن الذي كتبها أحد القضاة المعروفين في سدير، وهو القاضي علي بن يحيى بن ساعد، المتوفى سنة 1229هـ، (وفق ما ذكره البسام في علماء نجد الطبعة2، ج5، ص248)، ويؤيد ذلك ورود إشارة إلى وفاة الأمير تركي بن محمد السديري في العام نفسه، مما يعني أنها كتبت في حدود هذا التاريخ، كما تتضمن أول ذكر لأخيه الأمير أحمد (الأول) بن محمد السديري، والذي من المعلوم أنه تولى الإمارة على الغاط بعد وفاة أخيه الأمير تركي. وهذا نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم من (علي بن ساعد) إلى الأخ (ناصر المخضب) سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد صار إنك ولي على ولد (تركي)، فاجتهدوا لليتيم، اقبضوا حقه، اقبض حقه من جميع ما خلَّف أبوه من دقيق وجليل، وأنت يا (أحمد) -المراد أحمد الأول- بعد السلام، الشيء الذي خلَّف (تركي) يُبْدَا بدَينه وإبراء ذمته، وما فَذَّ بعد الدَّين على قسمة الله، فلا تعطوا من مال (تركي) مَن حَرَمَه الله، وتمنعون من أعطاه الله.. إلى قوله: فكل ما بقي بعد موت (تركي) ما جاكم منه فعلى قسمة الله، وأنت يا (محمد بن عقيل)، وأنت يا (عبدالرحمن بن ناصر) من يم ما ذكرتَ لي من يم ( بنت مقحم)، فهذا صورة الكلام تشرفون عليه إن شاء الله.....؟ إلى آخر الرسالة).
ومحمد بن عَقِيْل المذكور هنا هو محمد بن عقيل بن بدر (آل عسكر) من أهل المجمعة، وهو والد زوجة تركي بن محمد السديري. كما أن وثيقة أخرى يظهر أنها كتبت في حدود سنة 1230هـ، وهي وثيقة إثبات شهادة مُلكية بئر للروسان، وكتبت بعد وفاة تركي بن محمد بن تركي السديري، أشارت إلى إمارة تركي على الغاط، حيث جاء فيها ما نصه: (... أيضاً شهد عبدالعزيز الحمادي، وفواز بن محمد بأن الأمير تركي السديري أظهرهم لقليب محمد آل إبراهيم بن روسان، وأنهم وقفوا عليها... إلى قوله: وشهادة فراج بن محمد السديري بمثل ما شهد به عبدالعزيز وفواز، وكاتبها عبدالعزيز بن عتيق الفداغ).
كما أن هناك عدداً من الوثائق غير المنشورة يستفاد منها أن جد السدارا محمد بن تركي السديري توفي في مقتبل العمر، وقد ورثته أمه، ثم آل نصيبها إلى شقيقه مقحم (وهو من كتبة الوثائق المشهورين في الغاط)، وشقيقته لطيفة.
وأشارت وثيقة أخرى سبق نشرها في وثائق الغاط، (ط1، ج1،ص642) إلى زمن محمد السديري، وجاء فيها: (أقر (أحمد بن محمد السديري) أن الغرس الذي غرسه أخيه (تركي) في بلد الغاط في الوشيل أعلى من قليب مقحم أنه لأخيه (تركي) على حياة أبيهم (محمد)، من بعد (تركي) لولده، ما لعيال (محمد) منه شيء، وكذلك الغرس الذي في ركايا (السديري) بإزاء نخل (ابن عدنان)، أنه لـ(تركي) على حياة أبيه (محمد)...).
ويستفاد من الوثائق -أيضاً- أن محمد بن تركي بن سليمان السديري خلَّف من الأبناء: تركي، وأحمد، وناصر، وفراج، وعبدالمحسن، ومنصور، وقد انقطعت ذرية كل من ناصر، وفراج، وعبدالمحسن، ومنصور، أبناء محمد بن تركي السديري، فانحصر عقبه في ابنيه تركي، وأحمد (الأول)، وذريتهما، حيث انحصر عقب ابنه تركي في ذرية حفيده تركي بن عبدالله بن تركي بن محمد السديري، وهو جد فرع آل تركي من السدارا، بينما انحصر عقب أحمد (الأول) اليوم في ذرية خمسة من أحفاده وهم: (أحمد (الثاني) بن محمد بن أحمد بن محمد السديري)، و(ناصر)، و(سعد)، و(محمد) أبناء عبدالمحسن بن أحمد بن محمد السديري، وأحمد بن عبدالرحمن بن أحمد بن محمد السديري. أما بناته وزوجاته فلا يتسع المجال للحديث عنهن هنا.
وتقدم هذه الوثائق معلومات جديدة عن دور الأمير أحمد (الأول)، وأنه تولى إمارة الغاط في وقت مبكر، وذلك في حدود سنة 1229هـ، فأدرك بذلك آخر عهد الدولة السعودية الأولى، كما عاصر نهايتها على يد قوات محمد علي باشا، وعاصر قيام الإمام تركي بن عبدالله في استرداد الحكم السعودي، ثم عاصر حكم خالد بن سعود عام 1253هـ، كما يستفاد ذلك من وثيقة جديدة، ثم عاصر الإمام فيصل بن تركي، وأبلى معه بلاءً حسناً، وكان ذا حنكة وسياسة ورجاحة عقل، مما جعله محل تقدير الجميع وثقتهم، فكان ورقة رابحة، ويشهد بهذا ما أوكل إليه من مهام جسام مثل إمارة سدير، ثم الأحساء وغير ذلك من المهام الكبيرة.
وأخيراً؛ فإني أرجو أن ترى هذه الوثائق وغيرها من الوثائق الجديدة والقيمة النور قريباً إن شاء الله في الطبعة الثانية من كتاب «وثائق الغاط»، التي يعكف مركز الرحمانية الثقافي على إعدادها حالياً، ولعلنا هنا نهيب بمن لديه وثائق تخص الغاط أن يسارع إلى تزويد المركز بها لتدخل ضمن كتاب «وثائق الغاط» في طبعته الجديدة. وختاماً؛ فإني أشكر كل من أمدني بالوثائق المشار إليها أعلاه، وبالأخص مكتبة عبدالله بن تركي السديري -رحمه الله- بواسطة حفيده الدكتور مشعل بن عبدالعزيز السديري، الذي أمدني -مشكوراً- بالوثائق الثلاث الأُوَل، ضمن مجموعة وثائق أسرته، وكذلك الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن الروسان، الذي زودني بالوثيقة الأخيرة، ضمن وثائق أسرة الروسان التي جمعها ورتبها المرحوم عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد الروسان قبل وفاته، وأوصى بتسليمها لي، أسأل المولى أن يجزل له الثواب.