د. سامي الدجوي
يتبع بعض منسوبي المنظمات سلوكيات حسنة، لفترة من الزمن حتى تُصبح هذه السلوكيات تقاليد يمارسها المديرون والموظفون جيلاً بعد جيل، ثم تُعرف هذه المنظمات بين الناس بهذه التقاليد؛ مثل تُعرف بعض المنظمات في المملكة بمسارعة الموظفين فيها إلى خدمة عملائهم أو مراجعيهم بكل احترافية ومودة. عند استمرار ممارسة هذه التقاليد وإضافة بعض القيم عليها (مثل قيمة التعاون وقيمة المصلحة العامة) فإنها تتحول إلى «ثقافة منظمة». فالثقافة هي: مجموعة من التقاليد والقيم والمعتقدات التي يشترك فيها مجموعة من الناس في كيان اجتماعي معين (سواءً كان ذلك الكيان دولة أو منظمة)، ويمارسوها لفترة زمنية طويلة. وحتى تُدرك بوعي ثقافتك التي تنتمي إليها عليك أن تتعرض لثقافات أخرى مختلفة، فلو افترضنا أنك من ثقافة عربية وإسلامية، وقمت بزيارة دولة أوروبية (غير إسلامية)، فتجد أن هناك اختلافاً في قيمة الكرم مثلاً، وهنا تدرك أن جزءا من ثقافتك هو الكرم.
أما في حالة إقامة ذلك شخص لفترة طويلة في دولة غير عربية وغير إسلامية فإنه يجد تبايناً كبيراً بين الثقافتين، وهذا قد يؤدي إلى إصابته بـ»الصدمة» الثقافية (Culture Shock)، وهذه الصدمة تحدث بسبب النظرة الضيقة لذلك الشخص عند تفسيره لسلوك الآخرين واعتقاده الخاطئ بأنه يعرف ويمارس الطريقة المثلى الوحيدة لذلك السلوك، وطبعاً طريقته المثلى أتت من ثقافته الأصلية. فمثلاً يعمل شخص ذو ثقافة عربية وإسلامية في المملكة المتحدة، واجتمع مع زملائه في العمل خارج مقر وفي أوقات العمل الرسمية لإتمام مشروعهم، فربما تجد أن أحدهم يُخرج وجبة الطعام الخاصة به ويأكلها أمام زملائه دون أن يدعو أحداً منهم لتناول الطعام معه، هنا يُصاب صديقنا العربي بالصدمة الثقافية، فتجد أن هذا الشخص يُفسر ذلك السلوك بالبخل، وينعت ذلك الزميل بالبخيل، لأنه كان لزاماً عليه أن يدعو زملاءه للأكل معه ولو مجاملاً، هذا التفسير وهذا الافتراض الذي دار في ذهن صديقنا يعتقد بأنها هي الطريقة المُثلى الوحيدة أو في أقل تقدير هي الصحيحة في هذه الحالة.
ختاماً، فإن هذا المفهوم العلمي «الصدمة الثقافية» تُدركه حكومة المملكة العربية السعودية ويمارسه شعبها عند تعاملهم مع الأفراد المقيمين فيها والزائرين لها، ومنهم زوار بيت الله الحرام والمسجد النبوي، فتسمح الحكومة لهؤلاء الأفراد بممارسة تقاليدهم وثقافتهم في حدود المسموح به، وهذا هو كمال النضح والوعي.
** **
- دكتوراه في الإدارة الاستراتيجية