مها محمد الشريف
قالت وزير الخارجية الألمانية أنها تدعو إسرائيل إلى عمل عسكري أقل حدة وعنفاً ضد غزة أي أنها لا تمانع الهجوم الإجرامي الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من المدنيين بينهم 12 ألف طفل، فما تريده فقط أقل قتلاً فبدلاً من قتل المئات يومياً لماذا لا يكون الرقم بالعشرات، كأنها تريد أن تقول ذلك وحقيقة موقفها لا يختلف عن بقية نظرائها بالاتحاد الأوروبي، فجميعهم مؤيِّد لتل أبيب بكل ما تقوم به من عمل وحشي دنيء.
أما من جانب فرنسا فهي تحث إيران وحلفاءها على وقف «زعزعة الاستقرار»، وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لنظيرها الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على «إيران وحلفائها وقف أعمالهم المزعزعة للاستقرار على الفور، لأن أحداً لن يستفيد من التصعيد»، لكن هل فكرت بالانتقال إلى مجرم الحرب نتنياهو لتقول له كفى قتلاً وتهجيراً لشعب أعزل، بل على العكس موقف تأييدهم ثابت مادي ومعنوي وسياسي وهو ما جعل مجرمي تل أبيب يتمادون في أفعالهم الوحشية.
لا شك بأنها جملة تدابير اتخذت من أجل أن تبقى الصورة في قلب الازدواجية أظهرت ملامح أخرى وأجبرت المشاهد على قول بأن هذه اللوحة مبهمة على الإمعان والتأمل، ثم إن الأفكار الجديدة أخفت الهوية الحقيقية للرسمة حتى التزم الجميع الصمت ولم يعلق أو يبدي رأيه أو يثير أسئلة للنقاش، وكبت إيمانه العميق والخالص بأن القضية الرئيسية هي حرب إسرائيل على فلسطين.
وإيران بالنسبة لهم تشكِّل مهرباً يلجأ إليه الغرب ليصبح لكل لوحة موضوعان مختلفان. فهل أوروبا كما قيل عنها رمز المستقبل، أو كعالم لا يُرى إلا من الخارج، على الرغم من أن الساحة تتبارى فيها العديد من الأطراف التي يتمتع بعضها بالأفكار والتألق بفضل الابتكارات والإنجازات مقابل بقية العالم وهذا لم يعد يبعث على الارتياح عند أبنائها، فما كان يبدو ثابتاً ومؤكداً في الماضي، أصبح اليوم آيلاً للسقوط.
فكل شيء حولها يهدِّد مشروعها الاقتصادي فقد بدأ بإنذار ثم عقوبات زجرية. هناك شكل آخر في هذا العالم أكثر تلوثاً مما تقدم، ففي إسرائيل نظام يحصي ضحاياه وفق المعايير التي يحددها، فهو يمتلك تقدماً كبيراً، وله تاريخ مثقل بالاجتياحات الدموية والتعسفات السافرة شرّع العالم الغربي لها الأبواب واعتبرها مشاكل معقدة تباينت على إثرها المواقف والمفاهيم.
وبات واضحاً أن التناقض ظهر بادياً للعيان في المجموعة الأوروبية التي تخضع لتأثير الأفكار والأيديولوجيات التي تسود عصرها، وتناقضاتها المتعددة التي تتباين فيها الآراء في قضايا كثيرة وغير قادرة على الاتفاق حول أي شأن في الشرق الأوسط مراعاة لمصالح إسرائيل.
إن أحكامهم لا تتوقف أبداً حول الأشياء إلا في حال مصالحهم وحلفائهم، ونسترجع الذكريات القريبة في العام 2021 و2022، عندما قالت ألمانيا بأنها ستلبي جميع الطلبات الإسرائيلية فور صدورها بداية من المساندة السياسية إلى كل ما تحتاج إليه من معدات عسكرية، تُستخدم في قتل وتهجير المزيد من الفلسطينيين.
إذا قلنا إنه ليس هناك تغيير ما، فأوروبا وضعت نفسها بهذه الحرب في أكبر اختبار لادعائها للإنسانية وحقوق الإنسان والقيم وفشلت بامتياز، فهي عبرت عن جذورها الاستعمارية ونزعتها للقتل والتدمير، وهذا موروث يسكن جيناتهم ولن يصدقهم أحد بعد اليوم بأنهم أصحاب قيم ومبادئ فهم شركاء إسرائيل بكل قطرة دم سالت من أجساد الأطفال الصغيرة والنساء والشيوخ في غزة.