د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
تفضلت عليّ الروائية المبدعة أروى الغلاييني بإهداء رواية (عودة الرجاء)، وأروى حفظها الله هي ابنة زميلتنا في قسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود الدكتورة رجاء عودة، كانت زميلة لأم أوس رحمهما الله جميعًا.
هذه الرواية أو السيرة هي رواية وسيرة في الوقت نفسه؛ فهي لها الصفة الأدبية التي تجعلها في الروايات، ولها طابع سرد السيرة؛ لأنها تتبعت تتبعًا جيدًا مراحل مختلفة لحياة هذه المرأة العظيمة، منذ كانت صغيرة، وأتاحت الفرصة لأن يتعرف عليها القارئ في هذه المراحل المختلفة.
وتهب أيضًا اطلاعًا على البيئة الدمشقية في ذلك الوقت، أي البيئة التي تغلب عليها العادات الدينية والتحفظ الشديد والعادات الاجتماعية الخاصة التي كانت مصادمة بعض الشيء لرغبة هذه المرأة الطموح التي ترغب في التزود من العلم بما يناسب ما لها من قدرات عالية وشغف بالتعلم؛ لكن كانت الظروف أصعب منها، وكان الرجاء ملازمًا لها.
أرى الكاتبة القديرة قد أحسنت وضع عنوان العمل، كان لفتة ذكية بالغة. وحين رأيت العنوان للوهلة الأولى (عودة الرجاء) قلت في نفسي: إنها فقط أرادت القلب المكاني لكي تتحدث عن والدتها (رجاء عودة) رحمها الله، ولكن تبين لي من القراءة أنّ القضية أعمق من ذلك، وأنها كان حقًّا يلازمها رجاء منذ أن توقفت عن الدراسة استجابة وطاعة لوالديها، واستجابة للعرف الاجتماعي القاهر في ذلك الوقت، نعم انقطعت عن الدراسة وظل يلازمها الرجاء أن تتمكن من إكمال الدراسة، وشاء الله أن تكمل الدراسة فكانت دراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
وأنا أقرأ هذه الرواية حدث ما لم يحدث لي أبدًا عند قراءة رواية أو سيرة أخرى، شيء لم أعرف له تفسيرًا؛ إذ لم يرقأ دمعي من أول سطر إلى النهاية حتى آخر سطر، إن في مواقف مفرحة أو مترحة، كان سرد الكاتبة لها باعثًا على ذلك، ومنذ بدأت بالقراءة لم أستطع أن أتوقف، فأوقفت كل النشاطات كل الكتابات كل القراءات، وواليت القراءة بمثابرة حتى أنهيتها ثم أفاجأ بأنّ هذا هو الجزء الأول، وأنا الآن أنتظر الجزء الثاني.
كانت اللغة التي استعملتها الكاتبة فيها مراوحة بين اللغة الفصيحة واللغة العامية، وهذا مقبول في الحوارات؛ ولكنه أحيانًا يتسلل إلى السرد.
وأما بنية الرواية فبدأت العمل راوية، وكنتِ تضعين بين قوسين صوت البطلة بخط مائل، كان هذا في الأجزاء الأولى ثم في الفصل الثاني عشر وما بعده أصبحت البطلة هي التي تتحدث وتوارت الراوية، وهكذا إلى آخر الرواية. وفي جزء من الأجزاء صغير جدًّا رجعت الراوية؛ ولكنها اختفت مرة أخرى.
اجتهدتِ الكاتبة في وضع معجم في نهاية الرواية ليسهل على القارئ فهم بعض المصطلحات التي لابد من استعمالها في مثل هذا العمل وهذا مفيد؛ ولكن لاحظت أن بعض الألفاظ لم تُذكر في المعجم؛ ولم اهتدِ إليها في المعجم، وبعضها لم تُميز بالسواد حتى يعلم أنها خاصة أو لها استعمال خاص، ونحن نعلم أنها تحتاج إلى بعض الشرح، قد تكون مشهورة في بيئات؛ لكن في بيئات أخرى لا تفهم. وبعض الألفاظ يتضح من السياق أنها أكلة وفي المعجم لا يزيد عن أنه يقول: أكلة كذا، وهذا لا يكفي، فالقارئ بوده أن يعرف ما طبيعة الأكلة، فقوله: (أكلة شامية) لا يكفي.
كان بودي أن تكون هذا الكلمات المشروحة في أسفل الصفحة حتى لا ينتقل القارئ كل مرة إلى النهاية ليكشف عن معنى الكلمة فمن الخير أن يراها مباشرة في أسفل الصفحة فيواصل بسرعة القراءة.
وظهر لي أيضًا أثر الثقافة الدينية التراثية، يظهر في تضاعيف هذا العمل في استلهام قصة النبي يوسف وإخوته وهو اهتمام ظهر في قصة أخرى رافقت هذه القصة فقد تفضلت عليّ ابنتنا الفاضلة أروى الغلاييني بإهدائي نسخة من رواية (مكيدة أرض عدنان). ونجد تلك الثقافة أيضًا في الأعلام المختارة، فهي لم توضع عشوائيًّا، وبخاصة الذكور، نجد آدم (نبي) و(محمدًا) و(موسى) وأخاه (هارون) وهكذا الأم (مريم). وإلى ذلك كله لم يُغفل الجانب الشعبي؛ وذلك يظهر في أسماء شامية بحتة مثل: (بوران) و(نازك) وغيرهما.
رواية متماسكة النص، جيدة السبك، محكمة النسج، وهي جديرة بالقراءة.