خالد محمد الدوس
ولدت عالمة الاجتماع الألمانية والمفكّرة السياسية (ماريانا إدوارد فيبر) في مدينة أوبرهاوزن عام 1870 وهي ابنة للطبيب الألماني (إدوارد شنيتجر فيبر) وبعد وفاة والدتها عام 1873 وهي في عامها الثالث انتقلت للعيش عند جدتها وعندما بلغت عامها الـ 16 أرسلها جدها (كارل فيبر) وهو رجل أعمال بارز إلى (مدارس فيشيغ) في مدينة هانوفر الألمانية وتخرجت منها وواصلت دراستها الخاصة بعد انتقالها إلى (مدينة فرايبورغ) ودرست مع الفيلسوف الكانتيني وهاينريش ريكيرت، وشاركت في تأسيس مجتمع لتداول حقوق المرأة في ألمانيا وعملت على رفع مستوى الطالبات الملتحقات بالجامعة ودعم فرصهن في التعليم الجامعي في تلك الحقبة الفائتة.
وفي عام 1893 تزوجت قريبها العالم الشهير ورائد علم الاجتماع في ألمانيا ماكس فيبر (1864-1920) الذي اشتهر كونه عالم اجتماع ومؤرخاً وفيلسوفاً واقتصادياً وسياسياً وعّد من أهم المنظرين البارزين لتطور المجتمع الغربي الحديث، وممن كانت أفكارهم ودراساتهم السوسيولوجية ذات أثر كبير وبُعد عميق في النظرية الاجتماعية ومناهج البحث.
وعاشت مع زوجها قرابة (ثلاثين عاماً) ولم ترزق بأطفال.. ولكنها رزقت منه ومن مدرسته «السوسيولوجية الفيبرية» حُب العلم ونهل المعرفة والتأصيل النظري.. وهو بلاشك واحد من أشهر علماء علم الاجتماع الألمان.
وحتى وقت قريب كان يعتبر واحداً من أكثر علماء الاجتماع الذين يأخذ عنهم المختصون أفكارهم ونظرياتهم. من خلال كتابه «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية» عن العلاقة بين الدين والرأسمالية.. وما زال يشغل العلماء منذ عشرات السنين. وحتى بعد مرور حوالي (100 عام) على وفاته، ما زالت كتبه التي تصف العالم الحديث تُقرَأ في شتى أنحاء العالم، كما تتم ترجمتها وشرحها من جديد، خاصة وأن العالم الراحل (ماكس فيبر) كان يحب تجاوز حدود التخصص العلمي الواحد.
وقد شملت أبحاثه مجالات التاريخ والثقافة والاقتصاد وعلم الاجتماع. وقد تأثر في تنوعه المبدع بالخبرات التي اكتسبها بين صفوف الأساتذة في المدينة الجامعية الشهيرة، هايدلبيرغ، حيث شغل منصب بروفيسور سنوات عديدة. ولهذا يصف العالم (يورغن كاوبة)، المهتم بمسيرة وسيرة العالم (ماكس فيبر)، التي نشرها بمناسبة الذكرى السنوية والتي تتحدث عن سحر أعمال ودراسات وحياة هذا المفكر الألماني الكبير الذي وضع دعائم علم الاجتماع الألماني على أرضية صلبة وساهم في نموه وتطوره بأفكاره وأعماله المتميزة في مجالات عدة من العلوم الاجتماعية.
شكل الحاضن الأسري الاجتماعي الخصب بعائلة آل (فيبر) التربة الخصبة لنمو «العبقرية السوسيولوجية الفيبرية» لبعض أفراد العائلة، فهي من أكثر العائلات الألمانية حظوة في مجال العلم والفكر والثقافة والأدب فقد عرفت بعدد كبير من أبنائها العلماء والمفكرين والمثقفين فالعالم (ماكس فيبر) عالم اجتماع معروف، وشقيقه (ألفريد فيبر) عالم اقتصادي واجتماعي فذ، وزوجته (ماريانا فيبر) عالمة اجتماع ومفكره شهيرة.. وقد تركت هذه الأجواء الثقافية والعلمية المفعمة بروح العطاء وحب العلم أثراً كبيراً في توليد «الطاقة الفكرية الإبداعية» عن هذه العائلة وشغفها اللامحدود بالاطلاع الواسع وحب القراءة والتحصيل العلمي منذ نعومة الأظافر.
وفي عام 1898 تعرض العالم (ماكس فيبر) للانهيار النفسي بعد وفاة والده فانسحب من الحياة الاجتماعية واستقال من منصبه البارز في (جامعة هايد لبرغ) العريقة غير أن زوجته (ماريانا) كان لوقوفها مع زوجها في أزمته النفسية الأثر الكبير في تعافيه والعودة إلى حياته الطبيعية وإلى نشاطه العلمي الرصين, وفي عام 1900 نشرت العالمة الراحلة ماريانا كتابها الأول بعنوان (اشتراكية فيشت وعلاقته بالمذهب الماركسي) وأوصلت رحلتها العلمية عندما انتقلت مع زوجها العالم الكبير (ماكس فيبر) إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1904 وأوصلت هناك منحتها الدراسية الخاصة, ونشرت كتابها التاريخي عام 1907 وكان بعنوان: (زوجة في تطور القانون).
كما ساهمت في إنشاء صالونها الأدبي الفكري وأوصلت العالم ماريانا كباحثة اجتماعية نشاطها وإنتاجها العلمي الغزير حين نشرت كتابها (مسألة الطلاق) وكتاب (السلطة والحكم الذاتي في الزواج)، وكتاب (المرأة والثقافة الموضوعية).
وفي عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى مع ذلك كان زوجها العالم الشهير (ماكس فيبر) منشغلاً في نشر دراسته متعددة الأجزاء عن الدين والمحاضرات وتنظيم المستشفيات العسكرية كما واصلت ماريانا نشاطها العلمي ونشرت بعض أعمالها من بينها كتابها: (المرأة الجديدة)، وكتب: (الحرب كمشكلة أخلاقية)، وكتاب: (تغير أنواع النساء في الجامعات)، وكتاب: (المهام الثقافية).
وتقديراً لمنجزاتها العلمية وإسهاماتها الثرية اختيرت (ماريانا فيبر) عضواً في الحزب الديموقراطي الألماني عام 1918، كما كانت أول مرأة تنتخب مندوبة في البرلمان الفيدرالي عن ولاية بادن, كما تولت عام 1919 رئاسة رابطة جمعيات المرأة الألمانية وهو مكتب شغلته حتى عام 1923, وبعد وفاة زوجها العالم (ماكس فيبر) إثر إصابته بالتهاب رئوي وتوفي فجأة عام 1920 انسحبت من الحياة العامة والاجتماعية دفعتها مواردها المادية التي ورثتها من جدها الغني (كارل فيبر) إلى إعداد عشرة مجلدات من كتاب زوجها للنشر، وفي عام 1924 حصلت العالم (ماريانا فيبر) على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة هايدلبرغ الألمانية نظراً لعملها في تحرير ونشر أعمال زوجها (ماكس فيبر) صاحب الإرث العلمي العميق في (السوسيولوجية الفيبرية).
وفي عام 1926 نشرت مشروعها الكبير عن أعمال زوجها العالم الراحل.. وفي عام 1954 توفيت العالم الاجتماعية والمفكرة (ماريانا فيبر) في هايدلبرغ الألمانية بعد أن تركت إسهامات علمية في المجالات الاجتماعية والقانونية والسياسية والثقافية.. ومؤلفات ثرية في مكتبة علم الاجتماع الأوروبي.. كرائدة من رواد علم الاجتماع في ألمانيا في النظرية الاجتماعية الفيبرية.