منصور ماجد الذيابي
يأتي هذا الزحف العسكري لجيوش بعض الدول باتجاه مناطق النزاع والتوترات الإقليمية في الشرق الأوسط لأجل تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية على أنقاض البنى التحتية للدول, وعلى حساب إزهاق أرواح الأبرياء المدنيين, وانتهاك حقوق الإنسان التي لطالما تغنّت بها الدول الغربية, وعزفت على أوتارها لعقود من الزمن لأجل تمرير مشروعها الاستيطاني والاستعماري ومن ثم تغلغلها عسكرياً من خلال حلفائها ووكلائها وعملائها في المنطقة العربية والإفريقية والآسيوية.
ولو أردنا أن نتساءل عن ازدواجية المعايير الغربية فيما يتعلّق بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني إزاء ما يجري مثلاً في قطاع غزة اليوم مثلما أشرت سابقاً في مقال بعنوان «ازدواجية المعايير الغربية والقضية الفلسطينية», فإن أياً من هذه الدول لن تتمكّن من تقديم أي مبرّرات مقبولة دولياً تجاه ما ارتكبته آلة الحرب الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة من مجازر وعمليات إبادة جماعية ومنع حتى دخول المساعدات الإنسانية للمدنيين, وتجاه ارتكابها أبشع جرائم الحرب في تاريخ البشرية, وكذلك طلب تهجير من تبقى منهم إلى خارج أرضهم المحتلة بدعم عسكري لا محدود من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها من المستعمرين القدامى في أوروبا.
كما وأتساءل وأقول: كيف لمن ساهم البعض منهم من زعماء الدولة الأمريكية والدولة البريطانية ودولة الكيان الإسرائيلي المحتل أن يحترموا حقوق الأطفال في غزة ومنهم من شارك في تعذيب الأطفال وسلب حقوقهم واستغلال براءتهم وهتك أعراضهم في جزيرة ليتل سانت جيمس في منطقة البحر الكاريبي, وفقاً لما ذكرته شبكة ABC الأمريكية, ووفقاً لما أوردته وكالة BBC البريطانية في تقرير نشرته بتاريخ 3 يناير/ كانون الثاني 2024 بعد رفع السرّية عن الوثائق المتعلقة بالجرّار العالمي, الملياردير الأمريكي جيفري ابستين الذي يقال بأنه انتحر في زنزانته عام 2019 بعد أن كانت وجّهت له تهمة إدارة شبكة واسعة من القاصرات لممارسة الفحشاء والرذيلة والاتجار بالأطفال, وهو الذي كان على صلة وثيقة بشخصيات رفيعة المستوى من مصّاصي دماء الأطفال ممن ينتمون لعوالم السياسة والأعمال في أمريكا وإسرائيل وفرنسا, وممن ينتمون أيضاً إلى العائلة الملكية البريطانية.
أيمكن بعد كل هذه الفضائح والتقارير الإعلامية الأمريكية التي شاعت وراجت وذاعت وأزاحت الستار عن أسماء وسمات وصفات هؤلاء الأشرار من زبائن جيفري ابستين ومرتادي جزيرته المتورطين في هتك الأعراض واستغلال الأطفال, أيمكن لأحرار العالم بعد كل هذا أن ينتظروا تدخلاً من هذه الدول لرفع الظلم عن أطفال غزة أو الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار على المدنيين الأبرياء في الضفة الغربية وقطاع غزة, لا سيما بعد الكشف عن صلة الملياردير الأمريكي بوكالة الموساد الإسرائيلية؟!
وكيف يمكن لداعمي الكيان المحتل أن يطالبوه بوقف إطلاق النار أو وقف الانتهاكات ضد المدنيين المحاصرين, وهم الذين انتهكوا حقوق الإنسان في جزيرة الشيطان اليهودي؟! رغم مناشدات ومظاهرات أحرار العالم المطالبة بوقف هذه المجازر, ووقف الدعم الغربي المموّل لكل هذه الجرائم البشعة بحق الإنسانية؟!
ولو تحدثنا بلغة الأرقام, ووفقاً لتقرير اليونيسيف, فإن نحو 1000 طفل فلسطيني فقدوا إحدى سيقانهم أو كلتيهما خلال الحرب على غزة, إضافة إلى ما ذكرته اليونيسيف من أن غالبية الأطفال أجريت لهم عمليات جراحية بدون تخدير في إشارة إلى نقص المستلزمات الطبية في القطاع.
ومرة أخرى أتساءل عمَّا ينبغي على أحرار العالم فعله تجاه ما يحدث من قتل وتدمير وتهجير دون انتظار أي حلول يمكن أن تتقدم بها دول مربع الشر, إذ لا يمكن أن نطالب الجلاّد والمكّار والجزّار والجرّار باحترام حقوق الإنسان, وفرض وقف لإطلاق النّار في الأرض العربية المحتلة, ذلك أن مثل هذه الوحوش البشرية التي تعيش على الدماء لا ضمير لديها ولا إنسانية.
يقول امرؤ القيس:
الحَرْبُ أَوَّلُ ما تكونُ فَتِيَّةً
تَسْعَى بِزِيْنَتِها لكلِّ جَهُولِ
حتى إذا اسْتَعَرَتْ وَشَبَّ ضِرَامُها
عَادَتْ عَجُوزًا غيرَ ذاتِ خَلِيلِ
شَمْطَاءَ جَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَنَكَّرَتْ
مَكرُوهَةً لِلشَّمِّ والتَّقْبِيلِ