د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عبارة تحمل صورة دلالية حية تتصدر مشاريع الحياة؛ فلقد أصبحت المسؤولية مستراداً للتأمل؛ والبحث في فلسفتها كمصطلح وتركيبته التكوينية؛ حيث تتشكل صور المسؤولية في بيئات العمل ذات النواتج المقنعة فتصبح أشد نصاعة، وتتوارد محمولات هائلة من الوصفات الناجحة لرفع المفهوم إلى أذهان الناس؛ حيث بين المصطلح والتنمية تلاؤم واتساق كبيران؛ فالمسؤولية والاضطلاع بها وإتمام متطلباتها مؤشر على قوة الإنتاج والنتيجة وفي محيط المسؤول الذي تبلورتْ توجهاته ومنهجيته لايتشكل القلق والاسترابة من المجهول, ولذلك لابد من حضور موقر وقور لمسؤولية التكليف، وصياغة خطاب القوة وبثهُ للمحيطين فالنفس البشرية وسواها لا تتكسر نصالها حين نجاح خطة تحميل المسؤوليات كل فيما يناط به ويخصه، وما يتطلبه الحال والموقف، وقد لا يتعدى الأمر عند المطلع المتعجل أن المسؤولية كبسولة دواء ذات أكسير يمكن وصفها لكل من راد الأعمال وقاد مفاصلها، ولكل قاطني الأرض الذين يلزمهم الشرع بمسؤوليتهم تجاه ذاتهم ومن يرتبط بها في محيطهم يقول رسول البشرية صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ....إلخ الحديث) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين؛ وهناك من يخال المسؤولية محض حراك تجمعه أهداف مشتركة أوقدها أفراد أو جماعات يشتركون في صناعة واحدة، ولكن الحقيقة أن للمسؤولية قلوبًا ومصانع «والأعمال بالنيات» التي يضمرها كل فريق وكل فرد وجماعة فالمسؤوليات العظيمة يحملها قلب مخلص نام يُشَغّل خطوط إنتاج فكرية وعملية دونما بحث عن صيد أو اضطرام في الأعماق، إنما هو لقاء احتفاء بنتائج نافعة للبلاد والعباد، وحيث إن واقع النهوض في المؤسسات يحتم الانضمام للآخر والاتحاد معه، وتحسس مكامن الانطلاق نحو رحلة التسامي حتى لا تنقطع متون المسؤولية فالقرارات التنظيمية واستصدارها مسؤولية؛ والمهام وآليات تنفيذها بدقة مسؤولية، وإبراز الأهداف السامية للإجراءات بما يحقق الوعي التام للمجتمعات مسؤولية، وتحويل المصالح الفردية في المجتمعات إلى مصالح عامة مسؤولية، والانتقال في صياغة القرار لجلب الحلول العاجلة مسؤولية وتحديد المرجعيات في زمن الطوارئ بما يكفل الإنسيابية المطلوبة مسؤولية، والإعلام والإعلان مسؤولية كبرى أيضًا خاصة عندما يكونان وكاءً للحراك الطارئ.
ومن المنظور النفسي نعتقد أن حجم المسؤولية يفرزه الواقع في المؤسسات عندما يكون هناك مهام مشتركة، فتصبح تلك المواقع ودودة وممهَدَة للإنتاج، وفيها حيز أو مطَل على شموس التنمية وبواباتها؛ فنحن حتمًا لا نريد أن نكون في مدينة أفلاطون المثالية، ولكننا نريد أن نعيد استيلاد ثقافة المسؤولية، وخصائصها في مؤسساتنا، وإذا كانت التنظيمات تستلزم التشارك في المسؤولية الواحدة، فلا بد من تكافؤ القدرة وتساوي المقومات لحماية القرارات من التأرجح، ومن كثرة الثقوب، وكثرة التعرض لعوامل الهشاشة وافتقاد الثقة وحكايات الأخذ والرد وروايات المسند والمسند إليه؛ ولا بد من التعامل الواعي مع العثرات ومعالجة أقفالها، والرغبة الملحة في الالتقاء والمشاركة، والوعي المتقدم الذي يؤهل للبقاء، ويدفع بالعمل إلى المعطيات الزاخرة بالإيجابية، ولا بد أيضًا من قراءة مشتركة لأوراق الواقع وشروطه، ومعرفة مشتركة أيضًا لدقائق ومنطلقات النهوض، والحوار المشترك البنّاء، والوقوف على مصبات النتائج، ومفاصل تكوينها وقوفًا جادًا يتساوى فيه التمتين مثلما بذل في تمتين المنابع، ويتوج ذلك كله باتساع الأفق لصياغة ذاكرة مفتوحة للتعامل مع المواقف تعاملًا مشتركًا يُسهم في دفع حركة النتائج لتضاء الآفاق في كافة اتجاهاتها، وتتجه جميعها نحو الشمس، وتحفر قنوات السقيا، وتعبد الطرق للمسير، فإذا تساوى منسوب المياه في السدود انسابت الجداول، وعم الرخاء والنماء، وانبلجت طاقات الضوء، فالمسؤولية ترتكز حيث وُضِعَتْ فحسب.
بوح نحو المسؤولية،،،
علمتني المسؤولية ومفهومها العميق أن هدوء بيئات العمل وما تصنعه من معجزات مبهرة تبلور من الشخصيات المسؤولة.