د. مشبب بن سعيد بن ظويف
من الحاجات الأساسية للأفراد والمجتمعات وجود الأمن والذي يعتبر ضرورة من ضروريات بناء الحضارات للمجتمعات الإنسانية، حيث ذكر أكرم عبدالرزاق المشهداني في مفهوم الأمن الشامل للمجتمع بقوله: لا أمن بلا استقرار ولا حضارة بدون أمن. فالبيئة تعتبر محيط الإنسان الذي يعيش فيه، وقد أكد لنا الأستاذ خالد الدوس في محتوى كتابه علم اجتماع البيئة الحاجة الماسة إلى تحقيق التنمية البيئية المستدامة من أجل معالجة المشكلات التي اتسعت دائرتها في المجتمعات الإنسانية المعاصرة بسبب سرعة التحولات الصناعية، والتقدم التكنولوجي, التي نتج عنها مشاكل التلوث، وقضايا التصحر، والفقر، والانفجار السكاني، وإحراق الغابات، واستنزاف الموارد الاقتصادية وغيرها من المثالب البيئية التي تهدد صحة الإنسان والكائنات الحية، مؤكداً بضرورة الاهتمام بنشر ثقافة الوعي البيئي ومن ثم تحرك الإنسان لمواجهة مثل هذه المخاطر للمشكلات البيئية وضبط تحدياتها المستقبلية. ومما لا شك إنه يعّد الأمن البيئي أحد الأساليب الحديثة في مواجهة تلك التحديات أو على الأقل التقليل من أخطار المشكلات البيئية. أن فلسفة الأمن كمفهوم عام يعرّف بالطمأنينة ضد الخوف، وهنا يجب أن نعرج على مفهوم الأمن الشامل لكي نخرجه من مصطلح مفهوم الأمن الذي تقوم به الجهات الأمنية في المجتمع من رقابة وضبط المخالفات، إلى مفهوم أشمل وأوسع في جميع مناحي الحياة لكي يتمثل في الأمن الداخلي، والأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والأمن الفردي، والأمن الفكري، والأمن الثقافي، والأمن العقائدي أو الديني، والأمن الخارجي، والأمن الإعلامي، والأمن المعلوماتي أو السيبراني، والأمن الإستراتيجي والأمن البيئي، والأمن المادي، والأمن المعنوي ...إلخ). مؤكداً لنا ديننا الحنيف، أن الأمن الشامل هو الأمن ضد الخوف، والإرهاب، والحفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض، حيث قال الله تعالى في ذلك في سورة قريش: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (4) سورة قريش. وذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (مَن أصبح مُعافًى في سِرْبِه يعني: في منزله وسكنه، مُعافًى في بدنه، عنده قوت يومه، وفي اللفظ الآخر: قوت يومه وليلته، فكأنما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها) (رواه أبو الدرداء، 283/ 5). ونحن نقر بأن للأمن بكل فروعه المختلفة والمتعددة أهمية بالغة، لكون البشر والجمادات والحيونات والنباتات وسائرالمخلوقات بحاجة للأمن العام أو الشامل إذا جاز التعبير. وقد أشار روبرت مكنمار إلى ان الأمن يعني التطور والتنمية، في ظل الحماية المضمونة مؤكداً أن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها في كافة المجالات سواء في الحاضر أو المستقبل.
من العرض الموجز لمفهوم الأمن الشامل والبيئة كسياق معرفي وتوطئة لموضوعنا هذا سنعرض واحداً من فروع الأمن الشامل في المجتمع السعودي وهو الأمن البيئي Environmental security الذي يمثل حماية المصالح الحيوية في الدولة للفرد والمجتمع من التهديدات سواء كانت من صنع الطبيعة أو نتيجة أفعال الإنسان، باعتبار أن الأمن البيئي صمام الأمان للأمن العام، لتلافي المخاطر البيئية الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو البشرية بسبب العمليات المختلفة والمتعددة والجهل، والحوادث، وسوء الإدارة، والأخطاء الناتجة عن تصميم وتنفيذ المشروعات في داخل الدولة أو حتى عبر الحدود. أن الأمن البيئي بمثابة الركن من الأركان الهامّة للأمن الوطني بل الأمن الإقليمي، إذ يعتبر بمثابة الوقاية والتخفيف من تهديدات الطاقة وتهديدات المصادر وخطوط الإمدادات والمخاطرات البيئية، والضغوطات ذات الصلة الوطيدة بعدم الاستقرار المجتمعي.
إذ إن الأمن البيئي يهدف إلى تحقيق السلامة والأمان للنظام البيئي العام من خلال التصدي أو إصلاح الأضرار البيئية وحماية رأس المال الطبيعي. لأن البيئة هي المكان الّذي يحتوي الإنسان ويحصل منها على كافة المقومات المعيشية التي تساعده على استكمال مسيرته في الحياة، وأي خلل لهذا النظام متسبباً فيه الإنسان سيقع علينا الضرر كاملاً جراء تغيره. لذا يتضح لنا أهمية الأمن البيئي في الحفاظ على مكونات الكون دون تغيير أو تبديل في عناصره الأساسية، مما يظهر لنا المخاوف بسبب الآثار الضارة للأنشطة البشرية بالتركيز على جودته للأجيال القادمة، كذلك مخاوف لآثاره المباشرة لمختلف أنماط التغيرات كالندرة والتدهور التي قد تكون طبيعية أو من صنع الإنسان، مما يؤدي إلى الصراع وعدم استقرار الأمن الإنساني، إضافة للخوف من انعدام الأمن للأفراد والجماعات البشرية بسبب التغيرات البيئية، مثل ندرة المياه وتلوث الهواء وارتفاع درجة الحرارة. تلك المخاوف للأمن البيئي بمثابة صمام الأمان في التفاعل بين أي من النظم الاجتماعية مع النظم الايكولوجية بطرق مستديمة تكفل حصول كافة الأفراد على السلع البيئية بطريقة معقولة وعادلة. إن من مهام الأمن البيئي في المملكة العربية السعودية كقطاع حديث في مواجهة التحديات البيئية هو القيام بحماية الحياة الفطرية والتنوع الحيوي، وحماية جميع المناطق المحمية، كذلك تفتيش المزروعات المروية بواسطة مياه الصرف والقيام بضبط المخالفات البيئية ومراقبة الحياة الفطرية وحمايتها، إضافة إلى تعقيب الجانب الخاص بالتنوع الأحيائي المتضمن تجريف التربة والاحتطاب والصيد الجائر ومراقبة التلوث البصري وتعقب مظاهر النفايات بمناطق المملكة، إضافة إلى القيام بمساندة المفتشين الخاضعين لهيئة حماية البيئة بجميع الأعمال المتعلقة بالهيئة في كافة مناطق المملكة والعمل على ردع المتجاوزين بالأنظمة والقوانين الموضوعة في المملكة بخصوص البيئة وحمايتها والقيام بتنظيف المخلفات التي تؤدي إلى الأضرار البيئية مع الإضرار بالثروات الطبيعية في جميع مدن المملكة، ومن ثم تعقب أحوال المراعي والشوارع الحدائق والغابات والعمل على تنظيم المخالفات بحق المخالفين، ومراقبة وفحص مسالخ الدواجن والمزارع بشكل مستمر ومعاينة المؤسسات التجارية والمؤسسات الصناعية. ونحن على علم من تطورت وسائل الاستقرار بالمملكة وتزايد فرص استغلال الموارد الطبيعية في مختلف اليئات حتى ظهر التلوث بكافة أشكاله وأبعاده بعناصر المحيط الحيوي» الماء، الهواء، التربة، النبات، الحيوان والإنسان»، ومن ثم تراكمت آثار التلوث وأضراره بمختلف منظومات البيئة نتيجة ذلك التدخل غير المسؤول للإنسان من أجل تعظيم احتياجاته. إن إشكالية البيئة والتنمية ومكافحة الملوثات البيئية، وسيلة هامة في مسألة البيئة المستدامة، والتخفيف من ندرة الموارد والتدهور البيئي والتهديدات البيولوجية التي يمكن أن تؤدي إلى الاضطرابات الاجتماعية، وتدوير المنتجات والنفايات بطرق تعزز الاستقرار الاجتماعي. إن الحفاظ على عناصر المحيط الحيوي من التلوث وتأمين احتياجات المجتمع لتمكينه من تنفيذ خطط التنمية البشرية، للوصول بالمخاطر البيئية التي تهدد السلامة الوظيفية للمحيط الحيوي والتقليل من انعكاساتها الضارة على سلامة المعيشة بالمجتمعات البشرية، حتى وإن كان الكثير منها يحدث بسبب تدخلات الإنسان غير المسؤولة في الأنظمة البيئية، مما يتطلب قيام الدولة ومنظمات المجتمع المدني بالتحذير عن أسباب تدهور البيئة الطبيعية جنباً إلى جنب مع ما يحدث من التهديدات الأخرى والتوعية بأضرار كل منهما على ترابط واستقرار المجتمع فيما يخص التدهور البيئي أو ندرة الموارد، نتيجة تفاقم مشكلة النمو السكاني، بالإضافة إلى التغيرات البيئية التي تعّد من العوامل الهامة للاستقرار، ولكي ترتفع شعبية الأمن البيئي بشتى فروعه واختصاصاته والأساليب والطرق الوقائية، لابد من تبنى استراتيجية للحد من مصادر التلوث ومنعه بكافة الإجراءات وخفض الملوثات عن طريق زيادة كفاءة الاستخدام للمواد الخام والطاقة والمياه والموارد الأخرى والحماية من الحوادث المحتملة وأضرارها البيئية.
إن التلوث البيئي هو أخطر كارثة يواجها الإنسان من تدهور البيئة نتيجة حدوث خلل في توافق العناصر المكونة لها بحيث تفقد قدرتها على أداء دورها الطبيعي خاصة في بيئة الهواء والماء واليابس والتلوث السمعي كالضوضاء والتلوث الغذائي .كل هذه الملوثات لها الأثر الكبير على صحة الإنسان وقد يكلف الكثير من الأموال الطائلة من قبل وزارة الصحة ناهيك عن أثر التلوث البيئي على الاقتصاد وارتفاع في تكلفة التأمين الصحي للمستشفيات نتيجة لانتشار الأمراض الناشئة عن التلوث، هذا غير الخسائر الاقتصادية الكثيرة في الثروة والأبنية والمنشآت الهامة نتيجة للأمطار هذا من جانب. ومن جانب آخر، نقص المحاصيل الزراعية وقلة إنتاجية الأراضي وابتعاد السياح عن المناطق السياحية التي تكثر فيها الملوثات أو الضوضاء.
** **
أستاذ الجريمة والإصلاح - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية