تغريد إبراهيم الطاسان
لطالما كانت الإبل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا في المملكة وعند العرب جميعاً، فقد حظيت بمكانة كبيرة لدى سكان الجزيرة العربية بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة، وربطتهم بها علاقة أزلية على مر التاريخ، فاهتموا واعتنوا بها، وكانت جزءاً من تراثهم وثقافتهم، وضرورة من ضروريات حياتهم، حيث كانت مصدراً للرزق والتجارة والغذاء والكساء والتنقل والترحال والحرث، ورمزاً للأصالة والشجاعة والقوة، عطفاً على دورها الكبير في تحقيق النصر في الحروب وصد غارات الأعداء، كما كانت منبعاً للوجاهة والعز والفخر ودليلاً على المكانة الاجتماعية لأصحابها، وهو ما جعل ذكرها حاضراً في إبداعات الأدباء والشعراء الذين جسّدوا بأبياتهم علاقتها بالإنسان منذ قديم الزمان، كونها كائناً فريداً رافقت الإنسان منذ آلاف السنين.
واستمرت هذه العلاقة إلى عصرنا الحاضر عندما كان للإبل دور في توحيد المملكة في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، حيث شاركت في جميع معارك الملك المؤسس وحملاته لتوحيد المملكة، فكانت رايات التوحيد ترفرف على ظهورها، وقد سرت هذه العلاقة حتى اليوم، فباتت الإبل تحظى باهتمام حكومي وشعبي على أعلى المستويات، نظراً لما تمثله من أهمية في تاريخنا.
وترسخ الاهتمام بالإبل في الثقافة السعودية بوصفها موروثاً أصيلاً متميزاً، شكل للمملكة مصدر اعتزاز ومكوناً أساسياً في حضارتها وتاريخها، وبالرغم من النهضة والحياة المدنية التي نعيشها اليوم، إلا أن الوفاء للإبل يمتد بين الأجيال بدعم من القيادة الرشيدة، وهو ما يجسّد اهتمام الدولة بتراث البلاد وثقافتها، وكوني من عشاق الإبل فقد سعدتُ مثل ما سعدَ كثيرون بصدور موافقة مجلس الوزراء منذ ساعات على تسمية عام 2024 بـ»عام الإبل» والتي جاءت امتداداً للرعاية الملكية للتراث والثقافة، وحرصها على إنسان الوطن وتاريخه وثقافته وتراثه، من خلال إبراز قيمة الإبل الثقافية والاجتماعية وارتباطها بالهوية السعودية، والاحتفاء بهذه القيمة التي تُمثّلها الإبل في حياتنا وتأصيل مكانتها الراسخة، باعتبارها جزءاً أصيلاً من تراث الآباء والأجداد.
وبرأيي أن هذا القرار وما سبقه من قرارات ومبادرات ومنها بالطبع الأمر الملكي الكريم بإنشاء نادٍ للإبل سيكون لها العديد من الأبعاد، فعلى المستوى الثقافي والتراثي، يجسّد هذا القرار اهتمام الدولة الكبير بإنسان هذا الوطن وتاريخه وثقافته وتراثه، كما يشكّل عناية بالإبل بالشكل الذي يسهم في إبراز هذا الموروث العريق ويحقق تطلعات القيادة بربط التكوين الثقافي المعاصر للإنسان السعودي بالميراث الإنساني الكبير الذي يمثّل جزءاً من تاريخ المملكة، بما يتماشى مع رؤية 2030 التي تعمل على إحياء التراث الوطني، بوصفه شاهداً حيّاّ على إرثنا المتجذر في القدم وعلى دورنا وموقعنا البارز على خارطة الحضارات الإنسانية.
وعلى الجانب الاقتصادي، فقد أطلقت القيادة حفظها الله بهذه الخطوة حراكاً مميزاً ومرحلة جديدة بعد تنظيم قطاع الإبل وزيادة الاهتمام به كمورد وقيمة وطنية اقتصادية سيكون لها الكثير من الأبعاد التطويرية في مسيرة القطاع الذي بات يشكل بُعداً اقتصادياً مهماً، كونه أصبح بمنزلة مشاريع اقتصادية ورياضية استثنائية تدر دخلاً كبيراً وتجتذب إليها المستثمرين، بما يساهم في تعزيز وتنويع مصادر اقتصادنا الوطني.
لا شك أننا اليوم ولله الحمد أمام مشهد جديد للإبل، جعلنا نغيّر مفاهيمنا الخاطئة حولها، فأصبحنا نحمل طموحاً جديداً سيعيد لها رونقها وتألقها في المشهد الاقتصادي، وزيادة مستوى مساهمتها في التنمية الوطنية، إضافة تعزيز حضورها محليّاً ودوليّاً باعتبارها موروثاً ثقافيّاً أصيلاً ومكوناً أساسيّاً في البناء الحضاري.