مشعل الحارثي
غزة تحت القصف، غزة تحت الحصار، غزة تحت الدمار، غزة لا ماء ولا كهرباء، غزة لا غذاء ولا دواء، غزة سيول الدماء وقوافل الشهداء التي لم تتوقف، غزة التي تسجل أسماء من ولدوا صباحاً ومن رحلوا منهم مساءً، غزة دموع الثكالى والأرامل واستغاثة النساء والأطفال، غزة التهجير والتفجير وقيامة الليل والنهار، هذا موجز لكل ما تناولته وتتناوله وسائل الإعلام والتواصل يومياً وعايشه ولا يزال العالم من أقصاه إلى أقصاه بأحداثه وتطوراته طوال أكثر من ثلاثة شهور أو ما يعادل 2200 ساعة منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر الماضي وبعد أن تعددت خناجر القاتلين ووقف العالم مكتوف الأيدي واكتفى فقط بالتنديد والصراخ والعويل أمام كل تلك الفظائع التي يرتكبها العدو الإسرائيلي وأعوانه بحق شعب غزة الأعزل إلا من عظيم صبره وقوة إيمانه بالله وبأن الحق لا بد أن يعود لأصحابه ولو بعد حين ومهما كان الثمن غالياً.
غزة التي دخل عليها العام الميلادي الجديد 2024م ولم تعرف من فرحة حلول العام الجديد و(بابا نويل) الفلسطيني إلا كما سبق أن عبر عنها بكل ألم وأسى وقبل عدة سنوات ابن فلسطين رسام الكاريكاتير محمد النمنم المعروف باسم (أبوالنون) الذي صور تلك المأساة الجاثمة على صدر أرض فلسطين منذ عشرات السنين بصورة كاريكاتورية لبابا نويل الفلسطيني الذي يرتدي الشال الفلسطيني ويقف بكل قوة وجسارة وهو يحمل فوق أكتافه شتى أنواع القهر والعذاب من قوى الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني والذي لم يخرج في ذلك الجليد وفي هذه المناسبة لتقديم الهدايا للأطفال كما جرت العادة، بل خرج ليقف منتصباً ويرد عنهم كرة الثلج المتدحرجة التي تكبر لحظة بعد أخرى وتدفعها بكل قوة وصلف وعنجهية أيادي الجور والظلم والبغي والعدوان وتحمل تلك الكرة في داخلها كل صور العنف والبطش والموت والإبادة والاحتلال والحصار وأسنة الحواجز والأسلاك الشائكة ونتانة جنود المعابر.
هذا الفنان الذي تميز عن غيره من رموز فن الكاريكاتير الفلسطيني والعربي أمثال ناجي العلي، وعلاء اللقطة، ومحمد السباعنة، وبهاء البخاري، وأمية جحا، وغيرهم بأنه حول ريشته وألوانه ورسوماته التي اخترقت الحصار وصدحت بلوعة الآلم والحزن والأنين ولوعة الفرقى والشتات والانقسام وهو الموضوع الرئيس الذي أنشغل به دوماً وخصص أغلب معارضه لموضوع الوحدة الوطنية وجعلها هي قصة الشعب الفلسطيني الأهم التي فرقته الخلافات حتى ناداه الجميع برسام الوحدة، وظل ولا يزال متفانياً في تسخير فنه لإيصال رسالة مهمة للقيادات والفصائل الفلسطينية خاصة وللشعوب العربية كافة بأنه لا خيار أمامهم سوى الوحدة ثم الوحدة وأنهم سيظلون وكما عبر عنه في أغلب لوحاته ورسوماته بأنهم إخوة مهما صار، فهل ما زالت هذه النداءات والرسائل التي سخر لها هذا الفنان رسالته الفنية تجد صداها لدى القيادات الفلسطينية؟
لقد كان وما زال فن (الكاريكاتير) الفلسطيني يمثِّل أحد أشكال المقاومة الناعمة التي خرجت من رحم المعاناة وعظيم الماسأة وساهمت مساهمة فاعلة في إيصال الصوت الفلسطيني وقضيته العادلة للعالم وسجل بألوانه وريشته على صفحاته البيضاء أبشع جرائم وفظائع العدو الإسرائيلي الغاشم وليؤكد من جديد تلك المقولة بأن الصورة قد تكون أبلغ من ألف كلمة.