سام الغُباري
في أول لحظة موت عربي - إيراني، بدأت حرب الخليج الأولى 1980م، كان عمري غضًّا، شهرين أو أكثر، ولمّا بلغت الثامنة انتهت الحرب، وما استوت قادسية «صدام» على شط العرب، واستفحلت قصص مجازر حلبجا، ونحو مليون قتيل، وكثير من كُرد العراق، وكُرد إيران على الجانبين قتلى دون إبداء سبب.
بعد عامين قرر العراق غزو الكويت، وبدأت حرب الخليج الثانية، وفي 2001 اجتاحت أميركا أفغانستان ثم العراق، وجرى الدم نهرًا فاقعًا لونه، لا يسر الناظرين. وعلى آثارها انتقمت إيران من حرب صدام، ومن العِراق، فصارت دليل الغزاة، جاءت بالعمائم السود، وأقبلت أميركا بالدبابات وحاملات الطائرات، فارتجت أرض العرب، وبات التهجير سُنة السُنة، ولم نكد نفيق من هول بغداد، فإذا بسوريا تضطرم، وليبيا أيضًا، في معركتين ناريتين، وفي اليمن التي كانت تقاتل على ظِلال منسية جماعة عنصرية بائسة، اخترق السيف الإيراني مُدن البلاد من صعدة حتى عدن، مُخلِفًا 300 ألف قتيل، وأرضًا واسعة على التماس، حُبلى بملايين الألغام الفردية والمدرعة، وفي كل يوم تُنجب الأرض قتلى ومعاقين بُترت أطرافهم، لا تسمع لهم رِكزًا.
هذه الملايين التي دفنها العرب والإيرانيون على مدى 4 عقود، كانت كافية لترفع إسرائيل حُجّتها، قال أحدهم: لقد قتلنا من غزة حتى الآن ما نسبته 4 بالمئة فقط ممن قتلهم «بشار الأسد»، ويهز كتفيه مُستغربًا: لماذا أنتم غاضبون علينا، ولا تغضبون من «بشار»؟ وآخر يعلق بسخرية في شاشة القناة الرابعة الصهيونية أن عدد الذين قتلهم «عبدالملك الحوثي» في اليمن يفوق كل قتلى «دولة إسرائيل» منذ إعلان وجودهم المشؤوم بـ قلب فلسطين حتى اليوم.
إنه استغراب خطر، إجابته أكثر إرباكًا في عالم اليوم، فإسرائيل تقول: إنكم وإنها جميعًا مجرمين. وهنا كان التحذير السابق من إفراط الإيرانيين في وهمهم، على وعد ورضى أميركي يسمح لهم بالتوسع، ولميليشياتهم بالعربدة، والقتل بلا حساب، ها قد جاء يوم المقارنة، ولأن إسرائيل أذكى منهم، فسفراؤها اليوم يرفعون صور قتلى حروب ما بعد 2011م متسائلين: هل يمكن لمن قتل كل هؤلاء البشر المنتمين إلى جنسه وعقيدته أن يُحاسبنا، أم أن ضميره الإنساني تفاعل باكيًا لمشهد موت في غزة، ولم يفجعه أنه بيديه كان يُسقِط البراميل المتفجرة على أبرياء مسلمين.
لهذا يبدو «نتنياهو» مرتاحًا، وكيان دولته يزغرد كلما فتح المجرمون في منطقتنا النار عليه بالكلمة أو الصواريخ البعيدة عن شعبه، فيبكي، يتأثر، يتظاهر بالخوف، يصفهم بـ الإرهابيين، ويشجعهم على قطع كل الطرقات البحرية والجوية، فذلك يدعم وجهة نظره، ويمس بسوء متعلقات بلدان العالم الاقتصادية، ويسيء لروح غزة التي تقاوم وسط محيط متخاذل، وصديق متآمر، وعدو متكبر، ومناصر انتهازي وأحمق.
الكلمة الأخيرة هنا تقول: إن القدس غيورة على شرفها، ولن تسمح لأي كائن ولغ في دماء المسلمين أن يحررها. ستنتظر رجلًا شريفًا يبزغ ذات يوم مثل شمس ساطعة، لتفتح له أبوابها.
.. وإلى لقاء يتجدد،،
** **
- كاتب وصحافي من اليمن