سعود عبدالعزيز الجنيدل
كثير من المهن -بحسب علمي- يوجد لها رخص مهنية، مثل الطب، المحاماة، الإعلام، التعليم، المحاسبة، وغيرها، وهذه الرخص تخول لصاحبها ممارسة المهنة كل في مجاله وتخصصه.
إلا أنني وبحدود معرفتي بحكم التخصص والممارسة، لا أعلم وجود مثل هذه الرخص للتدقيق اللغوي! ولا أعرف حقيقة ما السبب؟
ولو سلطت الضوء على ممارسة مهنة التدقيق اللغوي، فسأقول إنها موجودة وبكثرة بحكم أن كثيراً من المحتويات تنتج باللغة العربية، وفي بلادنا التي نصت أنظمتها على استخدام اللغة العربية في المخاطبات الرسمية، والتقارير السنوية، ووسائل الإعلام، بل وشددت على ضرورة الكتابة السليمة الخالية من الأخطاء - يمكن الرجوع إلى مدونة قرارات اللغة العربية في المملكة العربية السعودية (الأوامر والأنظمة واللوائح والتعاميم)، الذي جمعه وأعده مركز الملك عبد الله لخدمة اللغة العربية- لمعرفة هذه القرارات.
لكن وبحكم متابعتي لتلك المهنة أراها تمارس دون رخصة مهنية تؤهل صاحبها للتدقيق اللغوي، وعادة يتم تعيين المدقق اللغوي من خلال ما يلي: أولاً، شهادة البكالوريوس في اللغة العربية كحد أدنى. ثانياً، إجراء اختبار متخصص في اللغة تختلف درجة صعوبته وسهولته بناءً على الجهة الراغبة في التوظيف.
وفي رأيي أن هذه الآلية ليست دقيقة لعدة أسباب، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
المهارة اللغوية ليست حكراً على أصحاب التخصص، وخصوصاً أننا نتكلم عن اللغة العربية التي لها مميزات خاصة لكونها لغة الإسلام الخالدة، فهناك من يملكون شهادات في تخصصات مختلفة لكنهم بارعون جداً في اللغة العربية، بل لا أبالغ إن قلت إن بعضهم قد يفوق بمراحل أصحاب التخصص، ولا يخفى الضعف المستشري في مخرجات الجامعات أو بعضها لكثير من التخصصات، ومنها تخصص اللغة العربية.
وقد يقول قائل، إذن الاختبار الذي تحدده الجهة الراغبة في التوظيف هو المحك، وهذا ربما يكون صحيحاً، لكني أراه غير ذلك، لعدة أسباب منها، أنه خاضع للجهة ذاتها دون مرجعية عليا، وقد يوضع من قبل أشخاص غير متخصصين، أو لا يكون شاملاً للمهارات الأساسية في اللغة العربية، التي تخول لصاحبها تدقيق المحتويات والخطابات وتنقيحها لغوياً، أو الإشراف اللغوي على المواقع الحكومية ومنصات التواصل الاجتماعية، وغيرها مما يحتاج إلى التدقيق اللغوي، إضافة إلى أنها لا تقبل غير أصحاب التخصص، وهذا يعيدنا إلى نقطة الشهادة الجامعية، وكأن إتقان اللغة العربية حكر عليها!
إذن، ما المقاربة الناجعة لممارسة التدقيق اللغوي؟ ومن المسؤول عن إصدار رخصها المهنية؟ لعل الجزء الثاني من المقال يحوي إجابة عن هذا التساؤل.