د.فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح
[مسائل من كتاب سيبويه]
[تابع لسابق]
- مسألة: خطِّ سيبويه.
قد ذكرت أنَّ لسيبويه خطّاً مختلفاً عمَّا هو معتاد، وقد ذُكر وصفٌ لخطِّه، وقد اعترض الفاحص قولي عن خطِّ سيبويه بـ(ربما وربما)، أقول: الرُّبَّمات لا تدفع شيئاً، بل هي تخرَّص لا يدفع النَّصَّ الوارد، و(ربَّما) لا تدفع الإثبات، وكيف يفهم الفاحص المحكِّم كلام ابن جنِّي حين يقول: «قال لي أبو عليّ كان لأبي إسحاق كتاب سيبويه في أجزاءٍ طروسٍ عتيقة، كان يقال: إنَّ كُرَّاساً منها بخطِّ سيبويه، وكان فيها: (زيدون وعمرون) بواو صغيرةٍ بعدها نون، وكلاهما في نفس السَّطر مع الحرف». [الخاطريَّات (القرني):62]
- مسألة: المنازعة في التَّقديرات لصحَّة القولة.
يصحُّ القول إن كان له مجال، ويقبل ذلك إذا كان ذلك محطَّة اجتهاد، وتفسير قولة: (ما أغفله عنك شيئاً) محطَّة اجتهاد لكثرة الأقوال الفاسرة لها معاني وتقديرات وإعراباً، وما كان كذلك فلا حرج ولا تثريب في الاجتهاد فيه، وتقديم قولٍ على قولٍ.
وقد كان معلوماً أنَّ المثل والحكمة تطلق، وقد تجيء في تركيبها مخالفة المطَّرد من الكلام والمشهور من التَّراكيب، وذلك راجع لظروف سكِّها وسبكها الَّذي يكون في محترض ومجترض، فمن ذلك قولهم: (عنك شكاً) هي مسكوكة لفظيَّة مثلٌ أو كالمثل، له خصوصيَّة بناء، فهي مثل: (حينئذٍ الآن، ألا تا ألا فا)، والأمثال قريبة من الأشعار في الاجتزاء والاختصار ومخالفة القواعد؛ لأنَّها تورد وتطلق في انتشاء أو احتشاء؛ انتشاء لمسعدات أخبار، ومستنجزات حوادث، أو احتشاء في مضايق قول، ومحكِّكات مصائب.
[الحكم العدل في ملاحظات الفاحصين المحكِّمين]
ههنا أمرٌ أيلزم الباحث المنقود بحثه ما نقده الفاحص أم لا؟ المقطوع به أنَّ الفاحص المحكِّم أكبر سنّاً وعلماً وأكثر خبرةً بالموضوع من صاحب البحث، وبناء عليه -إذا لم يشترط المحكِّم التَّعديلات- أنَّه يلزمه الأخذ شريطة ألَّا يكون البحث من النَّظر الجديد والفاحص من أهل القديم، فالنَّقد سيكون للمحتوى على المذهب القديم فيحدث التَّصادم بين الآراء، ولا يسلس الأمر بل يتقابل، فلا يكون أخذٌ لتعاند الأخذين، وهي حينئذٍ اختلاف رؤى لا إحكام لأحكامٍ، ويكون النَّقد والرَّدُّ لا من جهة العلميَّة، بل من جهة الرُّؤية العامَّة وتباين المنزع، فيكون مردود الفاحص عند الباحث مقبولاً، والعكس.
وأمَّا إذا انتظم الأمر فأحسب أنَّ القاعدة الَّتي يجب أن يُسار عليها في تلقِّي الملاحظات الَّتي يدلي بها الفاحص المحكِّم من جهة الأخذ بها من عدمه أنَّ الأخذ هو المقدَّم وهو المطلوب لكونها من خبيرٍ، على أنَّ المأخوذ به منها هو ما كان خادماً للبحث مصحِّحاً له، وكذا ما كان منها وجيهاً، أمَّا ما كان وجه نظرٍ وفرط احتمال فأرى? أن يقلِّب الباحث النَّظر فيه، فما كان أحسن ممَّا عنده قبله وأخذ به، وإذا تساويا فالباحث مخيَّرٌ يأخذ بأيِّهما، وما كان أدون ممَّا عند الباحث فقطعاً لا يؤخذ به.
هذا ما تيسَّر إعداده وإحرازه، وخلص ترتيبه وإبرازه، وفي الجعبة منه منمنماتٍ وأمور مكتَّمات غير أنَّها مؤجَّلة إلى أجلها، فلعلَّه يصدح بها الخاطر، ويشرق بها الحرف السَّاطر، ويفيد منها القارئ والنَّاظر.
وإلى لقاءٍ آخر يتجدَّد بكم أودَّعكم معاشر القرَّاء الكرام.