شاهين عبداللاييف
تحل هذا العام الذكرى الرابعة والثلاثين لمأساة باكو في عام 1990عندما اجتاح الجيش السوفيتي العاصمة باكو بالدبابات. ففي منتصف ليلة العشرين من شهر يناير 1990 قامت القوات السوفيتية بالهجوم على باكو من كافة الاتجاهات، في محاولة فاشلة لإنقاذ النظام الشيوعي ودحر الكفاح الوطني التحرري الأذربيجاني. وكان هجوم القوات السوفيتية أمراً غير مسبوق من حيث اعتدائه على مواطنين مدنيين في أذربيجان السوفيتية آنذاك.
وقد تم تنفيذ العملية العسكرية التي أُطلق عليها «الضربة»، ضد الحركة المعادية للسوفيت، والمؤيدة للديمقراطية والتحرر في أذربيجان، وذلك بموجب حالة الطوارئ التي أعلنتها اللجنة التنفيذية الدائمة العليا لعموم الاتحاد السوفيتي ووقع عليها الرئيس جورباتشوف، وتم تطبيقها حصرياً على جمهورية أذربيجان، دون إبلاغ المواطنين بها.
ومن قبيل التناقض التام أن ميخائيل جورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي، قد حظي بإعجاب الغرب الذي يتعامل بازدواجية المعايير فمنحه في أكتوبر 1990 جائزة نوبل بسبب «دوره القيادي في عملية السلام»، وهو نفسه الذي أعطى الأوامر لتنفيذ مأساة باكو وقتل الأبرياء.
ومما يدل على المؤامرة والتواطؤ بين الأرمن والجيش السوفيتي الذي اقتحم العاصمة باكو بالدبابات بقوات يقدر عددها بـ26 ألف جندي، أن معظم تلك القوات كانت من الجيش الأرمني.
وكان الإعداد لهذا الهجوم قد تم في موسكو حيث قامت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها المخابرات السوفيتية بالتعتيم على الهجوم وعدم الإشارة إليه، كما قامت بتفجير محطة الكهرباء التي تغذي التلفزيون الأذربيجاني بهدف قطع الإرسال ومنع معرفة الحقيقة عن الشعب.
اجتاحت القوات السوفيتية المدينة، ودمرت كل شيء في طريقها من أجل قمع رغبة وإرادة الشعب في الاستقلال بعد أن انحازت القيادة السوفيتية للأرمن، وغضت الطرف بل وباركت احتلالهم للأراضي الأذربيجانية، وبلغ عدد الشهداء الذين سقطوا 137 مواطناً من المدنيين و37 جندياً إضافة إلى جرح أكثر من 700 شخص غالبيتهم من المدنيين، كما تم اعتقال 800 شخص وتدمير 200 منزل.
كان الهدف الرئيسي من اقتحام القوات السوفيتية باكو إخماد الإرادة الوطنية الأذربيجانية ووأد الصيحات التي بدأت تجهر بالإعلان عن استقلال البلاد، والذي شكل بالفعل بداية لانهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يعاني في ذلك الوقت من حالة الفوضى وأزمة حادة قبيل الإعلان رسمياً عن حله عام 1991.
خرجت باكو لتشيّع شهداءها في تظاهرة ضمت أكثر من مليون مواطن جرى فيها تمزيق بطاقات الانتماء للحزب الشيوعي، وطالب المتظاهرون باستقلال بلادهم عن الاتحاد السوفيتي الذي كانت تُهيمن عليه قيادة الحزب الشيوعي بقيادة جورباتشوف. وتحقق لأذربيجان الاستقلال والسيادة بفضل شهدائها.
استطاع الزعيم القومي حيدر علييف أن يكشف للعالم يوم 21 يناير في مؤتمر صحفي ما قام به الجيش السوفيتي ضد أبناء أذربيجان، كما كشف فيه عن أبعاد انحيازهم للأرمن في النزاع حول قاراباغ الجبلية التي هي في الأساس أرض أذربيجانية، وفعل ذلك رغم الضغوط الشديدة التي مورست عليه، إلا أنه انحاز لأبناء وطنه رغم أنه في ذلك الوقت أحد كبار قادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والمكتب السياسي الذي يحكم الاتحاد السوفيتي، فعاد إلى وطنه ليقف إلى جانب أبنائه في تلك المحنة.
وفي جلسة تاريخية عقدت في الثامن عشر من أكتوبر لعام 1991، أصدر المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان بالإجماع، القانون الدستوري «حول استقلال الدولة في جمهورية إذربيجان». وتلى هذا القرار استفتاء وطني في جمهورية أذربيجان في 29 ديسمبر 1991.
وبذلك أصبحت أذربيجان اليوم بلداً يتطور بديناميكية بمعدلات نمو غير مسبوقة. وتحولت أذربيجان إلى مركز إقليمي وشريك جدير بالثقة في العلاقات الدولية، وحفرت لنفسها مكاناً متميزاً بين دول العالم، وذلك بفضل الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة والحكم الرشيد والإدارة الفعالة للبلاد التي وضع أساسها الزعيم القومي حيدر علييف، وسار عليها الرئيس الهام علييف.
إن دولة أذربيجان باعتبارها تاريخياً جزءاً من العالم الإسلامي، وشريكاً في التراث التقدمي والقيم الروحية للحضارة الإسلامية، لا تدخر جهداً في سبيل تعزيز العمل المشترك لأعضاء دول منظمة التعاون الإسلامي لتدعيم الحوار العالمي والتعاون من أجل سيادة التسامح والسلم والتفاهم الأفضل بين البلدان والثقافات والحضارات، والقضاء على عناصر «الإسلام فوبيا».
وعلى ضوء التغيرات الجارية في المنطقة، فإن أواصر العلاقات التاريخية مع العالم العربي الإسلامي والتي تتمتع بطبيعة الحال بالأولوية في إطار السياسة الخارجية لأذربيجان، تفتح أمامنا فرصاً جديدة لتعزيز آليات الشراكة القوية مع بلدان المنطقة، ومع المملكة العربية السعودية الشقيقة على وجه الخصوص.
وفي المرحلة ما بعد الاستقلال فتحت جمهورية أذربيجان صفحة جديدة لتعاونها مع المملكة العربية السعودية، بحيث توفرت الإمكانيات لدى الطرفين لتوسيع التعاون الثنائي في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والطاقة والسياحة.
وتملك المملكة العربية السعودية مكانة عظيمة في العالمين الإسلامي والعربي وتلعب دوراً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى أذربيجان دائماً منذ استقلالها لتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، وتكن جمهورية أذربيجان قيادة وشعباً للمملكة العربية السعودية الشقيقة الكثير من المحبة والاحترام والتقدير.
وبفضل الجهود المستمرة من قبل السيد الهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تشهد العلاقات بين البلدين تطوراً كبيراً ووصلت إلى مستوى عالٍ. إذ يشمل التعاون بين البلدين اليوم مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والسياحة والطيران والطاقة وغيرها من المجالات الأخرى.
** **
- سفير جمهورية أذربيجان بالرياض