د. جاسر الحربش
مدخل:
لا يدوم تأييد العالم لنضال تحرر وطني عائم الولاءات والأهداف.
نتنياهو العلماني واليمين التلمودي المتطرف يستغلان بعضهما لإطالة الحرب ونقلها إلى كل الجوار الإقليمي مراهنين على مشاركة الحليف الأطلسي، ولكل طرف أهدافه الخاصة. الرئيس المأزوم قانونياً تهمه النجاة من الملاحقة القانونية في تهم فساد مالي وانتخابي وتهمة التقصير الأمني الفاحش في أحداث 7 أكتوبر 2023. اليمين التلمودي يتوخى مرحلياً الدولة اليهودية النقية عرقياً من النهر إلى البحر. القدر الذي يطبخ فيه نتنياهو واليمين التلمودي المتطرف أجندتيهما يجسد الواقع الفكري كحلم يعشش في رؤوس كل اليهود المنتمين للمشروع الصهيوني التوسعي، وهم الأغلبية بين يهود فلسطين المختلفة والتواجد اليهودي في كل دول العالم.
وجود قلة من الحقوقيين اليهود الحكماء القلقين على اليهود واليهودية من خطورة التطرف لا يغير كثيراً في الواقع الصهيوني الميداني العسكري والمالي والاستخباراتي والإعلامي بقدراته على اختراق الدفاعات والحواجز حتى الآن.
هذا الفكر الصهيو-تلمودي يرتكز في جوهره على فريضة التطهير العرقي والتهجير الشامل لكل من هو غير يهودي، ثم التوسع في كل اتجاهات الجغرافيا العربية فيما بعد. مرجعيته هي التلمود البابلي الفقهي الذي يجعل الوصايا الفقهية مقدمة على التوراة. ذلك ما يعلمونه لأطفالهم في مناهجهم الدراسية وفي معسكرات التدريب الحربية.
حالياً وغالبية شعوب الأرض قد تعرفت لأول مرة بالصوت والصورة على عدالة الكفاح الفلسطيني ولم تكن الفرصة مواتية من قبل أفضل من الآن لتحقيق الدولة الفلسطينية الوطنية التي يعترف بها العالم يتوجب على كل الفلسطينيين التوحد للاستفادة من هذا التأييد العالمي الجارف. أضاع الفلسطينيون في الداخل المحتل وفي الشتات فرصاً كثيرة لتقديم كفاحهم الموحد للعالم متضامنين في جبهة واحدة منذ إرهاصات النكبة الكبرى وحتى الآن، ولم يقتدوا بما فعلت قبلهم كل جبهات التحرير الوطنية التي استحقت تحرير الأوطان وهزمت المحتل.
شهدت ساحات النضال الفلسطيني فوضويات جبهات وفصائل وحركات وكتائب وانتفاضات بعد النكبة الكبرى عام 1948م، وجميعها فشلت واختفت واعتبرها العالم مجرد تمردات عابرة لأسباب كثيرة. من الأسباب التشرذم والتقاتل والاتهام المتبادل بالخيانات والعمالة للمحتل أو لأنظمة دول إقليمية وخارجية. أكثر الاتهامات كانت تستند على حقائق وأدلة أو وثائق مخابرات مسربة، وخصوصاً العمالة والتقاتل والخيانات والتربح النخبوي للقيادات. النتائج كانت سقوط آلاف الضحايا بالاغتيالات وأكثر منها انتهت بالسجن المؤبد في الأقبية الإسرائيلية بوشايات متبادلة بين منتسبين بالشعارات لنفس الأهداف النضالية.
كثيرة تلك البطولات الفردية الفلسطينية أو لمجموعات صغيرة في غزة وجنين ونابلس والخليل والقدس وطولكرم وغيرها من البلدات والمخيمات الفلسطينية، وكان من السهل على الاحتلال اختراقها وإحراقها لأنها كانت ثورات غضب عابرة وغير متضامنة.
الآن تغيرت الأحوال لأول مرة لصالح نضال فلسطيني واعد وصادق بعد صمود طوفان الأقصى وتسببه بخسائر وأزمات عسكرية وشعبية وعالمية للمحتل في عقر حصونه وقلاعه وشوارعه ومؤسساته وفي مراكزه الأطلسية.
الكوارث والخسائر الفادحة في الأرواح وتحويل كامل قطاع غزة إلى أرض يباب قد حدث وسوف يستمر طويلاً ولن ينفع استجداء تدخل الجوار الإقليمي ولا الإسلامي، ناهيك عن استجداء الكافل الأطلسي للكيان المجرم وتمويله وتسليحه. ولأنه قد حصل ما حصل ورغم فداحة المأساة، بل وبسبب فداحتها ومع اطلاع العالم كله على جرائم المحتل بفضل وسائل التواصل المعولم التي لا سابق لها في التاريخ البشري فقد اتضحت الآن وربما للمرة الأخيرة على الأرجح مسؤولية الفلسطينيين كافة للتوصل إلى توافق وطني نزيه بشخصيات وخلفيات صادقة يستولدونها من رحم المأساة. أصبح من شبه المؤكد إن انتهت الكارثة في غزة بانتصار المحتل لا سمح الله واستمرار تشرذم النضال الوطني الفلسطيني فسوف ينسى العالم الفلسطينيين وحقوقهم وقد يتقبل تهجيرهم إلى خارج غزة والضفة بمن فيهم الذين اعتبروا أنفسهم في المنطقة الخضراء كمواطنين من الدرجة الثانية داخل ما يسمى دولة إسرائيل اليهودية.
زبدة الختام:
على كل الفلسطينيين فهم عراقة موقعهم وواقعهم الإسلامي المسيحي العربي وأن يتصرفوا على هذا الأساس، ودون اشتراطات التغريد خارج السرب العربي الفلسطيني الجامع، وأن يتأكدوا بأنه ما لم يحصل إجماع نضالي وطني صادق فقد يواجه كل الفلسطينيين الضربة القاضية التي تخطط لها الصهيونية التلمودية المتطرفة بعملية تهجير شاملة ونكبة نهائية.