د. محمد بن إبراهيم الملحم
أعتقد أننا بحاجة إلى يوم للمعلمة كما أننا نحتفل بيوم للمعلم، ذلك أن المعلمة في تعاملها وتدريسها وقيامها بالواجب التربوي تختلف في جوانب مهمة عن المعلم فهي تهجر أطفالها الذين بحاجة إلى رعايتها وتتركهم في رعاية غيرها سواء في حضانات أو لدى شغالات وتأتي للمدرسة وقلبها هناك مع طفلها أو أطفالها، لتقدم لأطفال الآخرين نفس ما تقدمه لطفلها (عندما يكبر) من الرعاية والاهتمام والتعليم، وقبل ذلك تقوم بأداء وظيفتها وقت حملها ورضاعتها لطفلها، وعلى الرغم من أن هناك فرصة لإجازات تخدم هاتين الفترتين لمن يحتاج لكنها لا تمثل سوى فترة معينة، ولا تشملها جميعاً، ومن جهة أخرى فليست كل المعلمات يستخدمن هذا النوع من الإجازات بطبيعة الحال لتبقى المعلمة تقوم بدورها ووظيفتها وهي في حالة الحمل أو الرضاعة، وهو ما لا ينطبق على الرجل بأي حال من الأحوال ولا ما يماثله في حياة الرجل.
من جانب آخر فإن المعلمة إذ تقوم بواجبها التربوي فإنها تقدم خبرتها لكل من الولد والبنت والسبب أن البنات غالباً هن من يساعدن إخوتهن في المنازل في أعمالهم التعليمية بل يقمن بتدريسهم ومساعدتهم على الفهم والتحصيل، وقد يحصل العكس لكن غالب الأمر في البيوت هو ما ذكرت، ولهذا فإن فضل المعلمة في البيت هو فضل شامل وقيمته عامة.
المعلمة أيضاً هي رمز للأم، ونحن جميعاً نعلم قيمة الأم الاجتماعية في الأسرة والمجتمع ودورها العظيم في صناعة شخصية الفرد، وحينما تمضي الطالبة ثلث نهارها في أرجاء المدرسة بين درس ونشاط وتفاعل ومواقف تعيشها مع زميلاتها وتتلقى توجيهات معلماتها فإن المعلمة تعوض دور الأم وتقوم به في هذه الفترة، فهي أولاً ودون كثير كلام منها، قدوة بأفعالها وتصرفاتها وشخصيتها، لتكون بتواجدها فقط عاملاً إيجابياً في صناعة الشخصية، ثم هي بتفاعلها مع مواقف الطالبات سواء داخل غرفة الصف أو خارجها تمارس دور الأم الذي كانت الطالبة ستعيشه في البيت بهذه الفترة الزمنية لو لم تكن بالمدرسة.
أتفهم أن يوم المعلم هو تعبير وردنا من الغرب في بيئة لا تفرق بين التذكير والتأنيث في لغتها فيكون Teacher Day هو تعبير عام يشمل كلا الجنسين في الوعي الغربي الذي صنع هذه الجملة بيد أننا كعرب ينبغي أن تكون لنا خصوصيتنا التي نبرز بها المعلمة تحديداً بإعلان يوم خاص للمعلمة، خاصة أن مرحلة رياض الأطفال تقودها المعلمات فقط، وهي مرحلة مهمة جداً ولها دور عميق في تأسيس التفوق والإبداع منذ هذه المرحلة المبكرة في عمر الإنسان، والاهتمام بها وبمعلماتها هو أول مراحل الاهتمام بجودة المخرج التعليمي إن أردنا له أن يرتقي ونرى أثره الواضح في مؤشرات التنمية، ولقد تأخرنا بشأن هذه المرحلة في نشرها وتعميمها بحيث تصل لكل مدينة وحي ولا تكون مرحلة مرنة كما هي الآن، بل تكون كما هو حال المرحلة الابتدائية حيث تجد كل الأطفال أو الغالبية الساحقة منهم يدخلونها لتوفرها قريباً من أهليهم وفي متناول أيديهم.
إن المعلمة في هذه المرحلة المهمة هي نجمة الأضواء وفارسة الميدان وتستحق أن يسلط عليها الضوء بكثافة وتكون محل تقدير واحتفاء عندما نقول «يوم المعلمة»... نعم نقولها نحن ولسنا بحاجة إلى العالم أن يقف معنا في هذا اليوم فهو يومنا، ويوم معلماتنا، وتحية لكل معلمة مخلصة ولتضحياتها العظيمة.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً