عبد الله النجدي
ولد فيلدينغ سيداً، فوالده جنرال، ووالدته ابنة قاض، ولد هنري عام 1707، تمكن في المدرسة من الأدب اليوناني والكلاسيكيات اللاتينية. عام 1728 نشر مسرحيته (الحب في عدة أقنعة) ولاقت بعض النجاح. ويقول موم: إن فيلدينغ كان يميل إلى الافتضاحية في مسرحياته، وهي وسيلة للكسب السريع، وكان وسيما افتتن بممثلة شهيرة أعطته فرصة الظهور. بين عامي 1730-1736 نشر ثلاث مسرحيات، اثنتان منهما تتحدثان عن الفساد السياسي، مما دفع الحكومة إلى إصدار قانون يمنع عرض المسرحيات إلا بعد الحصول على ترخيص، وهذا القانون ما يزال سارياً إلى الآن، فترك فيلدينغ كتابة المسرحيات ولم يعد لها إلا حين أفلس. ويقول موم عن مسرحيات هنري فيلدينغ: قد ينُظر إلى مسرحيات فيلدينغ أنها تفتقد القيمة الأدبية حين يقرؤها الناقد، لكن المسرحيات تكتب لتمثل لا لتقرأ، ومع ذلك لابد أن تتضمن قيمة أدبية، لكن ذلك لا يجعلها مسرحيات جيدة، بل قد يجعلها أقل قابلية للتمثيل، ميزة مسرحياته أن الجمهور يقبل عليها. يقول عنه مورفي:(( حين يتعاقد على كتابة مسرحية، فإنه يخرج من الحانة آخر الليل، وفي الصباح يرسل للمثلين مشهداً كتبه على ورق التبغ)). ويقول موم: كتابات فيلدينغ المسرحية ساعدت في تطوره كروائي، فشل روائيون حاولوا كتابة المسرحية، فتقنيات كتابة المسرح تختلف عن تقنيات كتابة الرواية، أن تتعلم كيف تكتب رواية لا يساعد على أن تكتب مسرحية، لدى الروائي الوقت الكافي لتطوير فكرته ووصف شخصياته، وأن يُضفي احتمال الصحة مع بُعد الصحة، وأن يتطور تدريجياً نحو ذروة الرواية، إنه غير ملزم بعرض الفعل، بل بالكتابة حوله فقط. أما المسرحية فتعتمد على الفعل، فمناولة أحدهم لآخر كوب من الماء قد يصنع حدة درامية عالية. ينبغي شد انتباه الجمهور بأحداث متلاحقة، ينبغي عدم الاستطراد في موضوعات فرعية، وأن يكون الحوار موجزاً ومحدداً، وأن تكون الشخصيات كلها متسقة، ولا تحتمل المسرحيات نهايات مقلقة، ويجب أن يكون بناؤها متيناً. وعندما يأتي المسرحي المتمكن لكتابة الرواية، فإنه سيستفيد من خبرته في كتابة المسرحية ليكتب رواية جيدة. فالسنوات التي قضاها فيلدينغ في كتابة المسرحيات لم تذهب هدراً، بل استفاد منها حين كتب الرواية. تزوج فيلدينغ وابتعد عن الكتابة بعد فشل إحدى مسرحياته الكوميدية، لكنه عاد للكتابة بعد أن أفلس. وبعد صدور قرار الرقابة ترك الكتابة، واشتغل بالمحاماة. أصيب بداء النقرسوعاد لكتابة المسرحيات والمقالات الصحفية، عام 1742 أصدر رواية ( جوزيف أندروز) بعدها توفيت زوجته الجميلة التي أحبها فتوقف عن الكتابة عدة سنوات. نجح أحد أصدقائه المتنفذين في تعيينه قاضي صلح في ويستمنستر، ثم رئيساً للمحكمة الفصلية التي تعقد أربع مرات في السنة. عام 1749 نشر رواية ( توم جونز) ثم تدهورت صحته، وعام 1752 كتب رواية (أميليا) وتدهورت صحته أكثر، فاستقال من عمله وغادر وطنه عام 1754 ليستقر في لشبونة، ليموت فيها بعدها بشهرين. ويصفه موم: كان رجلاً مولعاً بالخمر والنساء، ولديه روح المقامرة، سريع الغضب، طيب القلب، كريماً، صادقاً مع أصدقائه، في الواقع كان يشبه توم جونر. ثم يقول موم: والآن ينبغي أن أُحذر أي قارئ لرواية توم جونز، إن كان شديد التحرج فالأفضل ألا يبدأ بقراءتها. ويصف موم الرواية: توم جونز مبنية على نحو جيد، وتتتابع أحداثها بابتكار ملائم، وفيلديغ مثله مثل من سبقه في كتابة روايات المغامرات، كان أقل اهتماماً باحتمالية وقوع الأحداث، ومع ذلك تحثك الأحداث على المضي في القراءة، بحيث لا تجد الوقت ولا الرغبة للاحتجاج، الشخصيات مرسومة بألوان أولية وبتسرع، وإن افتقرت إلى المهارة إلى حد ما فإنها تعوض ذلك بكونها زاخرة بالحياة. كُتبت توم جونز على الطراز السائد المقبول، وأسلوبها أكثر سهولة وطبيعية من أسلوب جين أوستن التي كتبت روايتها( كبرياء وهوى) بعد خمسين عاما. فيلدينغ يروي قصة توم جونز وكأنه جالس إلى طاولة العشاء مع عدد من الأصدقاء. استطرادات فيلدينغ معقولة ومسلية بوجه عام، وعيبها الوحيد أن المرء يمكنه الاستغناء عنها. مهد لكل قسم من أقسام الرواية بمقاله، وقد أُعجب بعض النقاد بذلك كثيراً، وعلى الرغم من أنني لا أنكر ميزات تلك المقالات، إلا أني قرأتها بنفاد صبر، إن قارئ الرواية يود معرفة ماذا سيحدث للشخصيات، وإلا فلا داعي لكتابة رواية، فالرواية ليست وسيلة تعليم أو تهذيب، لكنها مصدر للتسلية الذكية. ويقول موم قبل نهاية حديثه: أخشى بعد كل ما قلت أنني أعطيت القارئ انطباعاً بأن رواية توم جونز رواية مضطربة وغير مصقولة، تتعامل مع المغامرات والنساء الخليعات، إن ذلك سيكون انطباعاً خاطئاً. ويختم موم حديثه عن رواية توم جونز بما قاله الناقد جورج سنتسبيري:(( توم جونز ملحمة الحياة، بالتأكيد ليست الملحمة التي تعكس مشاهد وصور الحياة الأرفع والأندر والأكثر اتقاداً، لكنها ملحمة الحياة العادة، والإنسان العادي الطبيعي الذي لا يخلو من عيوب، والذي ليس كاملاً على الإطلاق، بل الكائن الإنساني والحقيقي الذي لم يعرضه أحد في عالم مقلَّد سوى شكسبير)).