د. عبدالعزيز بن حمد القاعد
تشغل قضايا حقوق الإنسان اهتمام دول العالم بمختلف قاراتها في عصرنا الحديث، وزادت أهميتها كضابط للانتهاكات والتجاوزات التي مرت بها البشرية عبر حروب طاحنة قضت على ملايين البشر، حيث خلصت البشرية إلى أهمية وضع قانون دولي يحمي ويحافظ على حقوق الإنسان وكرامته ومكتسباته. فجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي تبنته منظمة الأمم المتحدة عام 1948، حيث ركَّز على أهمية حماية وتعزيز حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الصبغة الشرعية والعالمية. بعدها تتابعت المواثيق والمعاهدات الدولية والتي تصب في مصلحة تعزيز حقوق الإنسان والمحافظة على كرامته.
ففي ديسمبر 1966 رتبت الجمعية العامة للأمم المتحدة معاهدتين دوليتين (العهدان الدوليان) وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ومن ضمن الحقوق المدنية والسياسية الحق في الحياة وعدم التعرض للإيذاء والتعذيب وحرية التنقل والحق في الزواج وتكوين أسرة، بينما نجد أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية شملت نواحي كثيرة مثل الحق في العمل والصحة والتعليم والحق في الضمان الاجتماعي ... إلخ. وشدد العهدان الدوليان على دور الدولة المحوري في الإسهام في الاحترام وتحقيق الحماية والوفاء بهذه الحقوق. واقع الحال يقول إن هناك دولاً ذوات نفوذ سياسي تستغل ملف حقوق الإنسان بهدف التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مع العلم أن هذا الأمر يتنافى مع المواثيق والأعراف الدولية وسيادة الدول على أراضيها، ناهيك عن إزدواجية المعايير، وتسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية ليس لها علاقة ألبته بحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، استعرضت دكتورة سامية عبدالرحمن طروحات مؤلف كتاب «حقوق الإنسان أخلاق أم سياسة» Adam Etinson ، عن إمكانية أن تجمع حقوق الإنسان بين الأخلاق والسياسة ومنها أن هناك نظريتين إحداهما أرثوديكسية (إنسانية أو طبيعية) ترى أن حقوق الإنسان طبيعية، أي أنها حقوق أخلاقية. بينما ترى النظرية الأخرى السياسية أو الوظيفية أن حقوق الإنسان تلعب دوراً مهماً في السياسة الدولية الحديثة كوضع معايير للشرعية السياسية الدولية على سبيل المثال.
من جهة أخرى أكَّد المؤلف أن الآراء تتباين، فهناك من يرى أن حقوق الإنسان جزءٌ من الحقوق الطبيعية كتوفير معايير أخلاقية عالمية، بينما يرى آخرون أن حقوق الإنسان عبارة عن أدوات قانونية وسياسية تؤثّر في تشكيل النظام الدولي العالمي. ومن هذا المنطلق، جاء إعلان 1948 القائم على فكرة العالمية والتي هي حجر الزاوية في مفهوم حقوق الإنسان. وهذا الإعلان جاء متأثراً إلى حد «ما» بالمدرسة الطبيعية أو الأخلاقية والتي نتج عنها مفهوم أخلاقي بعيداً عن المقومات القانونية والتي تعتبر رافعة للاستمتاع فعلياً بالحقوق التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
من جانب آخر، وبعيداً عن ضوضاء بعض المؤسسات الحقوقية الدولية وتجنيها على المملكة والتي يروّج لها أعداء الوطن، أكد النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على حماية وتعزيز حقوق الإنسان وجاء الكثير منها كالحق في التعليم والصحة والعدل والأمن والمساواة واحترام الملكية الخاصة.
ومن أبرز النصوص التي أكدت على حماية وتعزيز حقوق الإنسان المادة (8) من النظام الأساسي للحكم والتي نصت على أن «يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس من العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية»، كذلك نصت المادة (26) من النظام الأساسي للحكم على أن «تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية». كما وسعت الدولة -أيَّدها الله- إلى حماية وتعزيز حقوق الطفل (من لم يتجاوز 18 سنة) من كل صنوف الإيذاء والإهمال وغيره، ومن جملة الأنظمة في هذا الخصوص نظام الأحداث والحماية من الإيذاء ونظام مكافحة الإتجار بالأشخاص وغيرها، حيث صادقت المملكة على الكثير من الصكوك الإقليمية والدولية للمحافظة على حقوق الطفل.
أما في جانب حقوق الشباب فقد وضعت الدولة الكثير من البرامج والمشاريع الهادفة إلى تمكين الشباب وإطلاق مهاراتهم وإمكاناتهم للمساهمة في تحقيق دورهم الريادي كنظام العمل الحر والمرن وكذلك العمل عن بعد وغيرها. أما من جانب حقوق المرأة وهو الملف الأكثر إشراقاً، فقد شهدت في السنوات القليلة الماضية الكثير والكثير من الأنظمة والقرارات التي تدعم المرأة وتساهم في حمايتها. فعلى سبيل المثال لا الحصر نظام الحماية من الإيذاء ولائحته التنفيذية، إقرار صندوق النفقة، استخراج جواز السفر دون موافقة ولي الأمر وكذلك السفر، وإصدار نظام مكافحة التحرّش بالإضافة إلى الكثير من الأنظمة التي ساهمت في المساواة في العمل والتشجيع على الاستثمار والمساهمة في بناء الوطن. من ناحية أخرى، عملت الدولة على المحافظة وتفعيل حقوق المسنين كالحق في الرعاية الصحية والحماية من الإيذاء والضمان الاجتماعي هدفها العناية بكبار السن ورعايتهم وتوفير البيئة الآمنة والمريحة لهم. يضاف إلى ذلك حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من رعاية واهتمام وتأهيل، كما وسعت الدولة بشكل حثيث في تفعيل نظام مكافحة الإتجار بالأشخاص وأولتها عناية فائقة، كما وتُوجب أنظمة المملكة المساواة وعدم التمييز بين كل من يقيم على أرض المملكة سواء كان مقيماً أو مواطناً بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه وعرقه أكان ذلك أمام الجهات القضائية أم الدوائر الحكومية أو غيرها، بالإضافة إلى المساواة التكاملية بين الرجل والمرأة وعدم التمييز والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ويندرج تحت المساواة، المساواة في العمل والتعليم والمنح والإعانات وكذلك المساواة في الخدمات الصحية.
كل هذه المنظومة من الحقوق وغيرها الكثير تُشرف على تطبيقها وتُعزِّزها إدارة هيئة حقوق الإنسان بعقلية وبرؤية جديدة وبتطلعات عالمية بحيث يتم إحداث التطوير والتجديد والتقويم، مستفيدين من تجارب الغير، والتي ستجعل الهيئة مصدر إلهام للكثير من الجهات الحقوقية الدولية بمشيئة الله. كل هذه الجهود الجبارة تسعى إلى تحقيق تطلعات قيادتنا الحكيمة وعلى رأسها مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد -حفظهما الله- اللذين سخرا كل الإمكانات المادية وغير المادية لرفع أداء الهيئة وتمكينها من ممارسة مهامها المُناطة بها بعيداً عن ضوضاء الإعلام الدولي ومناكفاته.
** **
- عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان