أ.د.عثمان بن صالح العامر
الإنسان المذنب يحتاج منا أن نفتح له بوابة الأمل.. والمصاب لابد أن نسليه بالأمل.. والسجين والأسير.. والمريض.. والفقير.. واليتيم.. والمصاب المكلوم.. والمديون و... بل وحتى المعافى في بدنه الآمن في سربه الغني فيما عنده بحاجة إلى أن تُشرعَ في وجهه منافذ الأمل بالقادم من الأيام وإلا ساوره الخوف من الغد «القريب منه والبعيد» فعاش في حزن وقلق أفسد عليه حاضره وضرّ مستقبله.
لا تقل، وكيف لي أن أمسك بمفتاح الأمل الذي به أجتهد في رسم البسمة على شفاه اليائسين أو الوجلين المحزونين.. وحتى أقرب المشهد وأوصل الرسالة التي أريدها أسوق هنا حكايتين لهما دلالة واضحة في قدرة أي منا بأن يبدع في إسعاد الآخرين وبعث الأمل في نفوسهم.
- كتب أحدهم (أن رجلاً مسناً مصاب بشلل لا يستطيع معه القيام ولا حتى الحركة البسيطة، كان يرقد في إحدى المستشفيات، ويرقد قبله في ذات الغرفة رجل آخر، اختار سريره بجوار النافذة الوحيدة في المكان الذي يجمعهما طوال ساعات اليوم.
حين يستيقظ هذا الرجل يبدأ بوصف دبيب الحياة في الشارع الذي يرقبه من خلال الشباك ويصف لهذا المشلول الذي لا يستطيع الحراك ما يرى من مشاهد رائعة وورود ملونة ومواكب ساسة ومسؤولين.. يصور له الشارع المكتظ بالمارة، يمنيه أن يسيرا معاً وسط الجموع عن قريب فالطب تقدم عن ذي قبل وليس على الله شيء مستحيل، يروي له لحظة شروق الشمس وحين تهم بالرحيل، يصف له الناس الذين يراهم يداعبه بجمال تلك الفتاة وحسن الأخرى التي تلبس اللون الأصفر الفتان، حتى صارت أعظم أماني هذا المسن الكسيح أن يغادر رفيقه السرير ليتمكن هو بنفسه من رؤية المشاهد التي كان يستمتع بها بمجرد السماع وهو مضطجع على سريره.. يؤمل باليوم الذي يسير فيه وسط الجموع حتى ولو كان على عربة يدفعها غيره.. فترة ليست بالطويلة توفي الرجل فشاب حزن جاره المشلول فرح عظيم لتمكنه من الانتقال إلى ذات المكان الذي كان يرقد فيه المتوفى.. وبعد أن تم تجهيز السرير وتنظيفه تم نقل هذا المريض إلى السرير الذي يريد، التفت إلى النافذة سريعاً ليرى المشاهد التي طالما اشتاق لرؤيتها فإذا به يرى جداراً خرسانياً صامتاً يجلب الكآبة للنفس ويكدر الخاطر.. تعجب من سرعة إنجاز هذا المبنى الذي حجب الرؤية عن الشارع الذي يروي حكايات صاحبه صباح مساء.. التفت إلى الممرض الذي يقف بجانب سريره سائلاً إياه عن وقت بناء هذا المبنى الضخم الذي حجب عنه الرؤية للأفق البعيد، فكان الرد الذي صعقه بأن هذا الجدار موجود منذ تأسس المستشفى، وصعق أكثر لما أبلغه الممرض أن جاره الذي توفي كان كفيفاً أصلاً.. لم يدم هذا الكسيح طويلاً إذ سرعان ما مات حين ذهب منه بصيص الأمل الذي كان يرسم ملامحه ويحدد معالمه جاره الذي عرف كيف له أن يدخل السرور في حياة الآخرين ويمنيه في اليوم الذي يسيران معاً في الشارع المقابل مع المارة الأصحاء.
حكاية أخرى نقلها أحد الزملاء :
- سألت أختها الكبرى وهي ممددة على فراشها تراقب شجرة بالقرب من نافذتها:
كم ورقة باقية على الشجرة؟
فأجابت الأخت بعين ملؤها الدمع: لماذا تسألين يا حبيبتي؟!
أجابت الطفلة المريضة:
لأني أعلم أن أيامي ستنتهي مع وقوع آخر ورقة.
ردت الأخت وهي تبتسم: إذن حتى ذلك الحين سنستمتع بحياتنا ونعيش أياماً جميلة.
مرت الأيام... وتساقطت الأوراق تباعاً..
وبقيت ورقة واحدة...
ظلت الطفلة المريضة تراقبها ظناً منها أنه في اليوم الذي ستسقط فيه هذه الورقة سينهي المرض حياتها.
انقضى الخريف.. وبعده الشتاء.. ومرت السنة.. ولم تسقط الورقة..
والفتاة سعيدة مع أختها.. وقد بدأت تستعيد عافيتها من جديد!..
حتى شفيت تماماً... فكان أول ما فعلته أنها ذهبت لترى معجزة الورقة التي لم تسقط!!
فوجدتها ورقة بلاستيكية ثبتتها أختها على الشجرة...
الأمل... روح أخرى، إن فقدتها فلا تحرم غيرك منها..
الأمل.. يصنع المعجزات!! ويغير شكل المستقبل!! ويقذف في القلب الرضا والسعادة..
رزقني الله وإياكم الأمل فيما عنده والرضا بما قسم والتسليم لما هو مكتوب ومقدر ويسر لي ولكم صناعة الأمل في النفوس وإلى لقاء والسلام.