عبدالله إبراهيم الكعيد
لستُ مؤرخاً ولا خبيراً سياسياً، ولكني قارئ للتاريخ ومتابع للأحداث السياسية منذ عدّة عقود. وهذا ساعدني كأي عربي يُؤمن بمقولة لست بالخبِ ولا الخب يخدعني. من هنا أقول إن استخدام التاريخ سياسياً ليس بالأمر المستجد والساسة يرضعون أبجديات التاريخ ليس مع حليب أمهاتهم، بل مع أول وجبة دراسية يتناولونها في المعاهد التأهيلية التي تُشكّل مستقبلهم الدبلوماسي.
هل يتعلمون المراوغة أيضاً؟ وهل يُلقّنون عدم قول الحقيقة؟ أياً كان ما يتلقونه ومن ثم يطبقونه يُلاحظ كيف يمتطي أولئك الساسة ظهر التاريخ وينتقون منه بعناية بعض الأحداث التي قد تبدو هامشية وصغيرة ولا تُشكل أهمية تُذكر في سيرورة حياة الأمم لكنهم وبكل مكر يوظفونها لصالحهم ودعم حججهم حتى ولو كانت غير منطقية.
لا أظن أنني بحاجة لإيراد أمثلة على قولي هذا إذ يكفي حكاية معاداة السامية ليوصم بها كل من يُراد توريطه في قضية لا ناقة له فيها ولا جمل. هُم يحاولون فرض ما لم يكتبه التاريخ وعلى غيرهم هزّ الرؤوس تعبيراُ عن موافقة هواهم. رغبة في السلامة، لكن لا تخلو الحياة من الشجاعة والشجعان.
دعوني أستعيد ما كتبته في المقال السابق في هذه الجريدة وذات المكان بعنوان «وشهد شاهد من أهلها» نقلت فيه ما قاله الأوروبي رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السيد جياني إنفانتينو: «أن ما فعلناه نحن الأوروبيون خلال الثلاثة آلاف سنة الماضية حول العالم، يجب أن نعتذر عنه طوال الثلاثة آلاف سنة القادمة، قبل أن نبدأ بإعطاء دروس أخلاقية للآخرين».
متى سمعنا منهم (أقصد الغرب) اعترافاُ كهذا؟ ليس اعترافاً فقط، بل الدعوة للاعتذار، لأنهم في العادة يُكابرون في عدم الاعتراف بجرائمهم ويرمون بالتُهم جُزافاً على غيرهم وأقرب مشجب ما يُسمى بـ»حقوق الإنسان» مع أن هذا الملف لو تم فتحه بكل حياد من قبل منظمات لا تخضع لنفوذهم لكانوا أول من يُدان ويُشنق.
عسف التاريخ له عدّة أوجه إنما أخطرها على الإطلاق وأكثرها خبثاُ هو كتابة الأحداث الصحيحة التي وقعت في الماضي ودس مصطلحات مراوغة تُشكك في حضارات أو ثقافات معينة وتفكيك بعض تفاصيلها بما يناسب توجه الكاتب ويخدم دوافعه من كتابته. يُتمم السياسي ذلك الدسّ بالاستشهاد بما كُتب وكأنها وقائع ثابتة ذات صدقية لا تقبل التشكيك.
أوضح مثال لذلك العسف: الاستشهاد بما ورد في الكُتب السماوية عن بني إسرائيل وادّعاء ساسة دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) ورجال الدين اليهود أن أرض فلسطين العربية أرض لهم لا ينازعهم فيها أحد، لهذا حق لهم اغتصابها من أهلها وإقامة دولتهم المزعومة. كرر هذا الادعاء كل من يساندهم ويقف في صفهم وتم فرض تلك المزاعم على أرض الواقع بالقوّة.
رغم كل هذا أجزم بأن الحقيقة لن تظل مدفونة للأبد.