عماد عسيري
«لا علاقة للنجاح بما تكسبه أو تنجزه لنفسك.. فالنجاح هو ما تفعله للآخرين».. تلك واحدة من أبرز أقوال الروائي الروسي العملاق ليو تولستوي صاحب «أنّا كارنينا» أكثر الروايات جدلاً منذ 1877م، والتي تناقش قضايا اجتماعية مهمة أدت إلى تحوّل المجتمع جذرياً نحو «المادة».
بالطبع لم يكن غيابي عن الكتابة الفترة الماضية بسبب انشغالي في إعادة قراءة «أنّا كارنينا» التي ترجمت لمعظم لغات العالم، ولا بسبب انقطاع «الإنترنت» كما سيستنتج البعض من عنوان المقال.. فـ»النت» أصبح الشبكة التي تحتوينا كإلكترونات ندور ونتحرك ونطير ونتعلم ونتسوق ونأكل ونشرب من خلالها».
وقد اخترت أن أستهل مقالي باقتباسات من لقاء رائع لمعالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله بن عامر السواحة، تناول فيه تجربته الجديدة مع «السعودية العظمى»، وحرص القيادة المتجددة على تطبيق الحوكمة وتبسيط الإجراءات وتسريع المعاملات.. قائلاً: «بعد 30 يوماً من تكليفي بمهام الوزارة فوجئت بثاني شخصية في رأس الهرم القيادي للمملكة يطلبني لاجتماع لمناقشة تطوير الخدمات وتذليل العقبات، تخللته مكالمة هاتفية لدقائق معدودة اختصرت إجراءات طويلة، وحلّت معضلة كانت ملفاً حائراً على مدى سنوات».
وللحقيقة، أعجبت بحديثه، عن تطوير خدمات الاتصالات التي ترتبط وثيقاً بتحسين جودة الحياة في ظل الاستقطاب الكبير والتطور الشامل الذي تشهده المملكة، لاسيما أنني في إحدى الفترات كنت عضواً في لجنة معنية بتطوير الخدمات في المشاعر المقدسة، وتطرقنا لأهمية توفير الإنترنت بسرعة عالية، لما ينعكس إيجاباً، ليس فقط، رقي الخدمات المقدمة للحجيج، بل وينقل صورة مشرفة عن مدى التطور التقني الذي تعيشه المملكة.. والمعلوم أن الحاج يحتاج إلى التواصل مع أهله عبر الإنترنت، ما يتطلب توفير الخدمة بأفضل حالاتها.
وعودة للقاء الوزير، الذي فتح لي طاقة نور هائلة اضطرتني للاستعانة بنظارتي الشمسية لأكمل المسير، ما حفزني للإبحار بسفينة الأمل في رحلة مع «الفايبر» أو الألياف البصرية.
قارئي الكريم.. أسكن في حي طيبة أو «الرحيلي» شمال جدة، وهو، بالمناسبة، من الأحياء الجميلة التي تواكب النمو العمراني في عروس البحر، وتوجه الأهالي للشمال.. وقد قررت استئجار وحدة مكتبية في أحد الشوارع التجارية، ورغم أنني أسكن الحي منذ وقت مبكر، إلا أنني لم أركّز كثيراً على تقسيمات «الفايبر»، ففوجئت أنها مقسمة بمنطق غريب، ففي شارع واحد تتوفر الخدمة، وفي الجهة المقابلة لذات الشارع تختفي، ما أثار تساؤلاتي: ترى ما هي المعايير الانتقائية لهذا التباين الذي لم أكن لأنتبه له لولا أن بعض الخدمات التي سيقدمها المكتب المزعوم تحتاج إلى جودة «نت» عالية.
عدت إلى منزلي، وبدأت حساباتي رغماً عني، لأني غالباً ما أحوّل أموري الحياتية إلى مسائل اقتصادية أتناولها فيما أكتب، ووجدتني أمسك قلمي وأكتب، لماذا لا يتوفر «الفايبر» في كل الشوارع الجديدة.. هل لأن شركات الاتصالات تخشى من تكبد تكلفة الحفر مقابل حفنة مشتركين، أم أن نسبة الاشتراكات لا تغطي كلفة التشغيل، وغيرها من الأعذار محاولاً الاقتناع بالمتاح.
وأثناء بحثي عن معايير توفير الخدمة، صاح شيء داخلي: التمس لأخيك سبعين عذراً.. ولكن.. كيف أعذر شركات تحقق أعلى الهوامش الربحية في ظل مواسم عديدة، كموسم الحج والعمرة، ومواسم الرياض وجدة وغيرها، بخلاف استقطاب عميل متغير، وعميل ثابت، إضافة للتوسع الكبير الذي تشهده المملكة، ما يؤكد أن هذه الشركات إحدى أعلى القطاعات دخلاً، وربما تتجاوز قطاع البنوك، ما يضعها أمام مسؤولية أكبر، لاسيما أن حضورها في المشهد لا يزال غير مرضٍ، ما يوجب تقديم خدمة مثل «الفايبر» بعيداً عن معايير الربحية المطلقة، إذ يمكن تخصيص جزء من بند مسؤوليتها الاجتماعية لتوفير الخدمة في مناطق تهمش فيها الربحية بنسبة معينة.. وهو ما سيكون مقبولاً أكثر من ممارستها الانتقائية في توفير الخدمة أو عدم ثباتها أو غياب الحرص على انتشارها.
وبمعايير المنطق، فالوزير يملك كل الحق في رسم خارطة طريق لهذه الشركات وفق أحجامها، وإلزامها بزمن محدد، ووضع تقسيمة معينة للأحياء من حيث الربحية، مع اعتبار أن هناك أحياء غير ربحية لم تصل فيها قيمة الاشتراكات إلى تغطية تكلفة الإنشاء، وإلزام الشركات بتامين الخدمة وتغطيتها، وهي فكرة ستكون من أهم مخرجات وزارة تحث الخطى لتؤكد مواكبتها ونجاح خططها على الأرض لرفع جودة الحياة.
وتدور في ذهني تساؤلات بحاجة إلى إجابات:
* هل يفترض أن تخضع كل الخدمات المقدمة إلى معايير المنطق الربحي؟
* وهل تتحقق الفائدة من التوسع العمراني إذا وجدنا أنفسنا أمام سنوات طويلة حتى يصلنا «الفايبر»؟
* وأخيراً.. هل تعجز شركات الاتصالات بكل أرباحها عن إيصال الخدمات إلى كافة سكان المملكة؟
أعتقد أن كل من يعيش على هذه الأرض الغالية مواطناً كان أم مقيماً، ينتظر أفضل وأحدث الخدمات، وبما يتواكب مع رؤية المملكة التي يلامس طموحها عنان السماء.