فضل بن سعد البوعينين
تسعى المملكة لتعزيز أمنها الوطني، وفي مقدمه الأمن المائي، والغذائي، والصحي، وتوطين احتياجاتها الرئيسة وبما يحقق الاكتفاء الذاتي، أو الجزء الأكبر منه، وتنويع مصادر الاقتصاد، وزيادة الصادرات النوعية، واستدامة النمو.
الريادة في التقنية الحيوية من أركان «الإستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية» التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفق رؤية مستقبلية تستهدف أهم القطاعات الحيوية ذات العلاقة بالصحة وجودة الحياة والبيئة ومنظومة الاستدامة، وتستشعر في الوقت عينه المتغيرات التقنية العالمية، والتطور العلمي تعزيزاً للأمن الوطني بمفهومه الشامل، ودعماً للاقتصاد والتنمية، وتحقيقاً لمستهدفات رؤية 2030.
لقطاع التقنية الحيوية أهمية عالمية، لانعكاساتها المباشرة على حياة البشر والبيئة والتطوير والابتكار الحيوي، ودوره الرئيس في تحقيق الأمن المائي والغذائي والدوائي، ورفع مستوى جودة الحياة، إضافة إلى حماية البيئة وتعظيم الفرص الاقتصادية وتوطين الصناعات الواعدة.
النمو والاستدامة، والاكتفاء الذاتي في القطاع الصحي من مستهدفات الإستراتيجية، لما يمثله قطاع الصحة من أهمية قصوى، خاصة في جانب توطين الأدوية واللقاحات، لمواجهة المخاطر المستقبلية، وخفض فاتورة الاستيراد، وتحقيق الاستدامة، ومستهدفات لجنة صناعة اللقاحات والأدوية الحيوية.
فالسوق السعودية أكبر الأسواق الإقليمية في مجال الأدوية واللقاحات، ومن المهم استثمار الفرص المتاحة فيها وتحويلها إلى مشروعات مثمرة تعزز الإنتاج المحلي، وتسهم في تأهيل الكوادر الوطنية وتدريبها في مجالات البحث والتطوير والابتكار، ونقل التقنية وتوطينها.
كشفت جائحة كورونا عن ضرورة توطين صناعة اللقاحات، والأدوية، والأجهزة الطبية، كما كشفت عن أهمية توفر الكفاءة والكفاية اللوجستية القادرة على التعامل مع الأزمات الصحية بشمولية ضامنة لمواجهة المخاطر والحد من انتشار الأوبئة وتوفير الخدمات الصحية لمحتاجيها. نقص اللقاحات، والأدوية نتيجة حُمى الشراء التي صاحبت أزمة كورونا، والتوزيع غير العادل للقاحات، زاد من أهمية الأمن الوطني المرتبط بالصناعات الطبية عموماً، والأدوية واللقاحات على وجه الخصوص.
إرساء قواعد الريادة، وتحويل المملكة إلى مركز عالمي للتقنية الحيوية بحلول العام 2040، من مستهدفات الإستراتيجية الجديدة. وهو هدف يتكرر في غالبية الإستراتيجيات التي أطلقها سمو ولي العهد تعزيزا لاقتصادها ومكانتها العالمية، وفتح أبواب العلم والمعرفة والابتكار وتحفيز الإبداع.
سيسهم القطاع الجديد في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق وظائف نوعية واستثمارات تسهم في تطوير صناعات جديدة، محققة لهدف تنويع مصادر الاقتصاد، وتوفير بيئة أكثر استدامة، وتعزيز مكانة المملكة العالمية كدولة رائدة في القطاع، إضافة إلى التوسع في تطوير الاقتصاد وبنائه على أسس من المعرفة، وتعزيز نموه، ورفع تنافسيته.
لدى المملكة الملاءة المالية، والذراع الاستثمارية المتمثلة في صندوق الاستثمارات العامة، والرؤية الإستراتيجية ومقومات النجاح، بما فيها المدن الصناعية المتخصصة، والمناطق الاقتصادية الخاصة. كما أن كثافة الطلب المحلي والإقليمي، من عوامل النجاح، ويمكن أن تعزز جذب الاستثمارات النوعية للمملكة، وبما يجعلها مركزاً للتقنية الحيوية مستقبلاً.
من المتوقع أن يسهم القطاع بنسبة 3% في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، بإجمالي أثر كلي يبلغ 130 مليار ريال، بالإضافة إلى توفير آلاف الفرص والوظائف النوعية، ما يؤكد قيمته الاقتصادية المهمة، إلى جانب بُعده الإستراتيجي المعزز للأمن الوطني. هناك جانب مهم مرتبط بمكونات اقتصاد المعرفة، الذي يقوم على الإبداع والابتكار، والتقنيات الحديثة، وأحسب أن الإستراتيجية الجديدة ستسهم في غرس بذور المعرفة في أحد أهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد السعودي، وستسهم في توفير البيئة التشريعية المتكاملة والمحفزة للاستثمار في القطاع، وتعزيز الشراكة المثمرة بين القطاعين الحكومي والخاص.