عبد الله النجدي
يقول موم: ولدت جين في عام 1775 في ستفنتون، وهي قرية في هامبشاير حيث كان والدها القسيس راعي أبرشية. كانت جين الأصغر بين سبعة أطفال. وفي عام 1805 توفي الوالد، واستقرت أرملته مع ابنتيها في ساوثامبتون.
ثم اختارت الذهاب إلى تشاوتون في هامبشاير – كان هذا في عام 1809 – وهناك مكثت جين إلى أن أجبرها المرض على الذهاب إلى وينشستر لكي تضع نفسها بين أيدي أطباء،وهناك توفيت في عام 1817. كانت تتمتع بحس نادر ولاذع بالفكاهة، وبما أنها تقول: إن حديثها كان مثل رسائلها زاخرة بسرعة البديهة وبالملاحظات الساخرة والماكرة، فمن المستحيل الشك بأن حديثها كان لامعاً. معظم الرسائل التي بقيت كانت كتبتها لأختها كاساندرا، فقد كانت علاقتهما ممتازة، كانتا دائماً معاً في الصغر وفي سن النضج، وقد تشاركتا غرفة النوم حتى وفاة جين. وحين ذهبت كاساندرا إلى المدرسة رافقتها جين على الرغم من أنها كانت صغيرة جداً لتستفيد من ذلك التعليم الذي تقدمه الحلقة الدراسية للشابات، إذ كانت لا تطيق الافتراق عنها وتشعر بالتعاسة بدونها، وقد قالت والدتها: ((إذا كانت كاساندرا ذاهبة لتُقطع رقبتها، فستصر جين على مشاركتها مصيرها)). كانت كاساندرا أجمل من جين، وطبيعتها أكثر بروداً وهدوءاً، وأقل مجاهرة بمشاعرها، وأقل مرحاً. كانت تتحلى بميزة السيطرة الدائمة على مزاجها، لكن جين كانت سعيدة بالمزاج الذي لا يستوجب السيطرة عليه. إن العديد من المعجبين بـ?جين أوستن وجدوا رسائلها مخيبة، واعتقدوا بأنها تظهرها باردة وقاسية القلب، كما اعتقدوا أن اهتماماتها مبتذلة. وأنا متفاجئ لأني أعدها طبيعية جداً. لم تتخيل جين أحداً سيقرأها باستثناء كاساندرا، لأنها تخبرها بأمور تعرف بأنها ستروقها. كانت تخبرها حول ما يرتديه الناس، وكم دفعت ثمناً للموسلين المزَهَر الذي ابتاعته، وحول الذين تعرفت إليهم، والأصدقاء القدامى الذين قابلتهم، وحول الأقاويل التي سمعتها.
في السنوات الأخيرة نُشرت مجموعات من الرسائل كتبها كتاب بارزون، وحين قرأتها كنت أميل إلى الشك بأن كتابها كان في ذهنهم أنها ستنشر ذات يوم. ومنحتني انطباعاً بأنها قد تكون استخدمت كما هي في أعمدة مجلة أدبية. ولكي لا أُغضب المتحمسين الذين ماتوا حديثاً، لن أذكر أسماءهم، لكن ديكنز توفي منذ فترة طويلة، ويمكن للمرء أن يقول ما يشاء عنه من دون إغضاب أحد. كان ديكنز أينما ذهب يكتب رسائل طويلة لأصدقائه يصف فيها ببلاغة المناظر التي شاهدها، والتي ربما كانت كما لاحظ كاتب سيرته قد نُشرت من دون تغيير كلمة واحدة. كان الناس في تلك الأيام أكثر صبراً، ومع ذلك سيشعر المرء بخيبة أمل حين يستلم رسالة من صديق يقدم له فيها صوراً كلامية عن الجبال والصروح، في الوقت الذي يريد أن يعرف فيما إذا كان صادف أي شخص مهم، والحفلات التي حضرها، وفيما إذا كان استطاع أن يجلب له الكتب أو ربطات العنق أو المناديل التي طلب منه جلبها له. ويضيف موم: نادراً ما كتبت جين أوستن رسالة تخلو من بسمة أو ضحكة. ومن أجل إمتاع القارئ سأورد بعض الأمثلة على أسلوبها: «تصوري أن السيدة هولدر ماتت! يا للمرأة المسكينة، لقد فعلت الشيء الوحيد في الدنيا الذي يمكنها فعله ليكف الآخرون عن شتمها». «»السيدة هول من شيربورن ولدت البارحة طفلاً ميتاً قبل أسابيع كما توقعت وذلك بسبب الرعب. أعتقد أنه حصل أن نظرت على حين غرة إلى زوجها». امتلكت جين أوستن لساناً لاذعاً وإحساساً مذهلاً بالفكاهة. كانت تحب الضحك وتحب أن تضحك الآخرين. وإننا نطلب الكثير حين نتوقع من صاحب الفكاهة أن يحتفظ لنفسه بطرفة موفقة حين تكون في ذهنه. ويعلم الله أن من الصعب أن تكون هزلياً من دون أن تكون خبيثاً على نحو يسير. ويضيف موم: كانت جين تدرك جيداً سخف الآخرين، تفاخرهم، تكلفهم، نفاقهم، والحق يقال إنهم كانوا يسلونها أكثر من مضايقتها. وكانت ودودة جداً، لم تقل للناس أشياء يمكن أن تؤلمهم، ورأت أنه لا ضرر من أن تتسلى هي وأختها على حسابهم. ولا أجد طبيعة مَرضية في ملاحظاتها الساخرة والذكية، ففكاهتها ترتكز- مثلما ينبغي أن ترتكز الفكاهة - على الملاحظة الدقيقة والصريحة. لقد لوحظ أنها، على الرغم من أنها عاشت أحداثاً مثيرة في تاريخ العالم، الثورة الفرنسية، وعهد الإرهاب وصعود نابليون وسقوطه، لم تأت على ذكرها في رواياتها، وبسبب هذا كانت ملومة على عدم اهتمامها المفرط. ثم يشير موم إلى أمر مهم فقول: ولكن ينبغي تذكر أنه في زمنها كان انخراط النساء في السياسة يعد شيئاً لا أخلاقياً، فالسياسة موضوع يتعامل معه الرجال، حتى إنهن لم يقرأن الصحف، ولكن ليس ثمة سبب يدعو للظن بأن عدم كتابتها حول تلك الأحداث معناه أنها لم تتأثر بها. كانت مولعة بعائلتها، ولا ننسى أن اثنين من أشقائها كانا في القوات البحرية، وكانا دائماً في خطر، وتُظهر رسائلها أنهما كانا في ذهنها. ولكن ألم تُظهر إحساساً سليماً في عدم كتابتها حول تلك المواضيع؟ كانت متواضعة جداً فلم تعتقد أبداً أن رواياتها ستقرأ لوقت طويل بعد موتها. ولكن إذا كان ذلك هو هدفها فإنها تصرفت بحكمة مع القضايا التي كانت من وجهة النظر الأدبية ذات تأثير عابر. إن الروايات التي تتعلق بالحرب العالمية التي كتبت في السنوات القليلة الماضية هي ميتة الآن. كانت قصيرة الأمد مثل الصحف التي تخبرنا يوماً بيوم بالذي حدث.
من الواضح أنها كانت مثقفة، وقد وضع د. دوبل يو. شامبمان، وهو مرجع مهم بخصوص رواياتها، قائمة بالكتب التي قرأتها، بالطبع قرأت روايات فاني بيرني، وماري إيدغيورث، ورواية مسز رادكليف (ألغاز أدولفو)، وقرأت روايات مترجمة عن الفرنسية والألمانية (من بينها
آلام فيرتر لغوته)، وأية أعمال أخرى متداولة استطاعت الحصول عليها من المكتبة العامة في باث وساوثامبتون. وقد عرفت شكسبير جيداً. ومن بين المحدثين قرأت سكوت وبايرون، لكن شاعرها المفضل كان كوبر، وليس من الصعب أن نعرف لماذا يروق لها شعره الرصين والأنيق
والحساس. وقد قرأت الدكتور جونسون وبوزويل، وكتباً في التاريخ والكثير من المواعظ. وهذا يجتذبني إلى ما هو أكثر أهمية حولها، الكتب التي كتبتها. لقد بدأت الكتابة في عمر مبكر جداً، وحين كانت تحتضر في وينشيستر، أرسلت لابنة أختها المولعة بالكتابة رسالة بهذا المعنى، إنها إذا عملت بنصيحتها، فعليها التوقف عن الكتابة حتى تبلغ السادسة عشرة، وأنها هي نفسها رغبت دائماً في أنها لو قرأت أكثر وكتبت أقل في السنوات المماثلة ما بين الثانية عشرة والسادسة عشرة في حياتها. في ذلك الزمن كان يُعتقد أنه من غير اللائق بالنسبة لامرأة أن تكتب الكتب. كتب مونك لويس «أنفر وأشفق وأزدري جميع النساء اللواتي يخربشن، الإبرة وليس القلم، هي الأداة التي ينبغي أن تحملها، والأداة الوحيدة التي تستعملها بمهارة». وقد نُظر إلى شكل الرواية بتقدير ضئيل، وكانت جين أوستن نفسها صُدمت بعض الشيء لأن الشاعر والتر سكوت يكتب رواية. كانت حذرة من أن يرتاب أحد من الخدم أو الزائرين أو أي شخص خارج أسرتها بعملها، كانت تكتب على أوراق صغيرة لتتمكن من وضعها في مكانها المعتاد بسهولة، أو تغطيها بقطعة من ورق النشاف. كان بين الباب الأمامي ومرافق البيت باب دوار يُحدث صريفاً حين يُفتح، وقد رفضت جين إصلاح هذا الخلل البسيط، لأنه ينذرها بقدوم أي شخص. ولم يُخبر شقيقها الأكبر جيمس ابنه الذي كان في المدرسة بأن الكتب التي يقرأها بسرور هي من كتابة عمته جين، ويؤكد شقيقها هنري في مذكراته قائلاً «لم يغرها نمو الشهرة، وكان يحرجها أن تضع اسمها على أي من إنتاجها». وقد كُتب على صفحة عنوان أول كتاب نشرته وهو رواية الحس والحساسية «بقلم سيدة». لم يكن أول كتاب، إذ إن أول كتاب كان بعنوان «الانطباعات الأولى» وقد كتب شقيقها جورج أوستن إلى أحد الناشرين يقترح عليه نشرة على حساب الكاتب أو بطريقة أخرى «مخطوطة رواية تتكون من ثلاثة أجزاء، وهي بطول رواية «إيفيلينا» للآنسة بيرني». وقد رُفض الاقتراح. بدأت جين بكتابة رواية الانطباعات الأولى خلال شتاء عام 1796 وأنهتها في شهر آب عام 1797، وغالباً ما يُظن أنها ذات الرواية التي نُشرت بعد ستة عشر عاماً بعنوان «كبرياء وهوى». ثم كتبت على التوالي «الحس والحساسية» و«دير نورثانجر»، ولكن لم يحالفهما حظ أوفر، ومع ذلك اشترى السيد ريتشارد كروسبي بعد خمس سنوات الرواية الثانية التي دُعيت حينئذٍ «سوزان» لقاء عشرة جنيهات. لم ينشرها أباً، وأخيراً باعها بالمبلغ الذي كان قد دفعه. ونظراً لأن روايات الآنسة أوستن نُشرت من دون ذكر اسم المؤلفة، لم يكن لديه فكرة بأن الكتاب الذي تخلى عنه لقاء سعر زهيد جداً كان بقلم كاتبة رواية «كبرياء وهوى» الناجحة والمحبوبة. يبدو أنها لم تكتب شيئاً باستثناء عمل يدعى «Watsons» بين عامي 1798 و1809. إنها مدة انتظار طويلة بالنسبة لكاتبة بتلك المواهب، والتفسير الأكثر احتمالاً لصمتها الطويل هو أنها كانت مثبطة الهمة لعجزها عن إيجاد ناشر. إن المقربين إليها الذين قرأت لهم فتنوا بأعمالها، لكنها كانت حساسة بقدر ما كانت متواضعة، وربما توصلت إلى نتيجة مفادها أن مبعث إعجابهم كان بسبب كونهم مولعين بها، وربما كان لديهم فكرة ماكرة حول من كانوا نماذج شخصياتها.على أية حال، شرعت في عام 1809، وهو العام الذي استقرت فيه مع أمها وشقيقتها في شوتون الهادئة في تنقيح مخطوطاتها القديمة. وفي عام 1811 ظهرت أخيراً رواية «الحس والحساسية» حينئذٍ لم يعد بالأمر الفاحش أن تكتب المرأة. وفي محاضرة عن جين أوستن ألقاها البروفيسور سبورجيون في الجمعية الملكية للأدب استشهد بمقدمة لـ«رسائل أصلية من الهند» لـ إليزا فاي. لقد حُثت هذه السيدة لنشرها عام 1782، لكن الرأي العام كان كارهاً «للتأليف النسائي» فتجنبت ذلك. وفي عام 18 16 كتبت تقول «منذ ذلك الحين حدث تغيركبير في موقف الجمهور وفي تطوره، نحن لدينا الآن عدد من النساء يشرفن جنسهن بصفتهن شخصيات أدبية، بل العديد من النساء غير المتظاهرات اللواتي لا يخشين الأخطار العظيمة التي تصاحب الرحلة، إنهن يغامرن بقذف مراكبهن الشراعية الصغيرة في المحيط الكبير، ومن خلال تلك المغامرة ينقلن المتعة والتعليم لجمهور القراء». نُشرت رواية «كبرياء وهوى» في عام 1813 وقد باعت جين أوستن مخطوطتها لقاء عشرة جنيهات. وإلى جانب الروايات الثلاث التي ذُكرت آنفاً كتبت جين ثلاث روايات أخرى: «مانسفيلد بارك» و«إيما» و«Persuasion». وقد ارتكزت شهرتها على هذه الكتب القليلة، وقد غدت شهرتها مضمونة. كان عليها الانتظار طويلاً قبل أن ينشر أحد كتبها، ولكن حالما تحقق ذلك حتى جرى الاعتراف بمواهبها. ومنذ ذلك الحين سعى معظم الأشخاص البارزين إلى الثناء عليها. سأقتبس فقط ما قاله والترسكوت، وهو قول كريم على نحو مميز: «إن لدى تلك السيدة الشابة موهبة وصف العلاقات المعقدة، والمشاعر والشخصيات في الحياة العادية التي هي بالنبة لي أروع ما لقيته، الصخب الشديد أستطيع أن أحدثه مثل أي شخص آخر، لكن اللمسة المرهفة التي تجعل الأشياء العادية والشخصيات مثيرة للاهتمام، وذلك من صدق الوصف والعاطفة، فهذا شيء لا أستطيعه».
من الغريب أن يغفل سكوت الإشارة إلى موهبة السيدة الشابة الأكثر نفاسة: كانت ملاحظتها دقيقة وعاطفتها مهذبة، لكن إحساسها بالفكاهة هو الذي أضفى القوة على ملاحظتها ونوعاً من الحيوية المهذبة على عاطفتها. كان مجالها محدودا. لقد كتبت ذات النوع من القصص في جميع كتبها، وليس ثمة تنوع كبير في شخصياتها، فقد كانوا ذات الأشخاص الذين نُظر إليهم من وجهة نظر مختلفة إلى حد ما. كانت تتمتع بحس سليم من الدرجة العالية، ولا أحد عرف حدودها أفضل منها. كانت تجربتها الحياتية محصورة بدائرة ضيقة من المجتمع الريفي، وذلك هو السبب الذي جعلها قانعة بالتعامل معه. كتبت فقط حول ما عرفته، وقد لوحظ أنها لم تحاول أبداً إعادة خلق محادثة بين الرجال، لأنها لم تسمعها أبداً في الواقع. لقد تبنت الآراء الشائعة في زمنها، ويتضح من كتبها ورسائلها أنها كانت راضية تماماً عن الأوضاع السائدة. لم يكن لديها شك في أن الفوارق الاجتماعية كانت مهمة، وشعرت أن من الطبيعي أن يكون هناك أغنياء وفقراء. ثم يتحدث موم عن رواياتها: إن من الصعب تقرير أيا من رواياتها هي الأفضل، لأنها جميعها جيدة، وكل واحدة منها لها معجبوها ومحبوها وحتى المتعصبين لها. يعتقد ماكولي بأن رواية «مانسفيلد بارك» هي إنجازها الأعظم، وثمة نقاد آخرون يفضلون «إيما» وقد قرأ ديزرائيل رواية «كبرياء وهوى» 17 مرة، واليوم يُنظر إلى «Persuasion» بصفتها العمل الأكثر تألقاً والمصقول إلى حد الكمال. وأعتقد أن الجمهور الأوسع من القراء سلم بأن «كبرياء وهوى» هي رائعتها، كما أعتقد أن من المستحسن قبول حكمه. إن الذي يجعل الأثر الأدبي يكتسب صفة الديمومة ليس إطراء النقاد ولا تأييد الأساتذة ولا تدريسه في الكليات الجامعية، بل الجمهور الواسع من القراء الذي وجد جيلاً بعد جيل متعة وكسباً روحياً في قراءته. ثم يعطي موم رأيه في الرواية الأفضل لها: إن الرواية ذات القيمة الأعلى في رأيي هي رواية «كبرياء وهوى» لأنها الأكثر إقناعاً من جميع الروايات الأخرى. إن رواية «إيما» تزعجني بسبب عجرفة البطلة، إنها في الواقع لطيفة مع الأشخاص ولكن مع شيء من التعالي، إنها تنظر إليهم على أنهم من طبقة اجتماعية أدنى منزلة، ولا أهتم على وجه الخصوص بعلاقة الحب التي تربط فرانك تشيرشل مع جين فيرفاكس. إنها الرواية الوحيدة لـ الآنسة أوستن التي أجدها مسهبة في الطول. البطل والبطلة في رواية «مانسفيلد بارك» متزمتان على نحولا يطاق، وأتعاطف مع هنري وماري كراوفورد بسبب لا مبالاتهما وحيويتهما وفتنتهما. أما رواية «Persuasion» فتتمتع بسحر نادر، ولولا حادث «كوب» عند لايمريغز، لأجبرت على النظر إليها بصفتها العمل الأكمل بين الروايات الست. لم تكن جين أوستن تتمتع بموهبة ابتكار حادث طابعه غير عادي. قال البروفيسور غارود، وهو ناقد عالم وسريع البديهة، إن جين أوستن غير قادرة على كتابة قصة، أي أنه يقصد كما فسر سلسلة من الأحداث، سواء كانت رومانتيكية أو غير مألوفة. ولكن لم يكن لدى جين أوستن الموهبة لتحقيق ذلك، ولم تحاول فعله. كان لديها الكثير من الحس السليم، وحس الفكاهة المفعمة بالحيوية، لذا لم تكن رومانتيكية، ولم تكن تهتم بما هو غير مألوف، بل بما هو مألوف، وهي تجعله غير مألوف بحدة ملاحظتها وسخريتها وسرعة خاطرها الهازل. في القصة يهدف معظمنا إلى السرد المتصل والمترابط مع بداية ووسط ونهاية. تبدأ رواية «كبرياء وهوى» في موضع سليم، بوصول شابين يشكل حبهما لإليزابيث بنيت وأختها جين الفكرة الرئيسية للرواية، وتنتهي الرواية في الموضع السليم بزواجهما. إنها نهاية سعيدة تقليدية، إن هذا النوع من النهاية أثار ازدراء رفيعي الثقافة. تبدو لي رواية «كبرياء وهوى» كتاب جيد البناء، الأحداث تتبع بعضها على نحو طبيعي، وإحساس المرء باحتمال وقوعها غير صادم، ربما من الغريب أن تبدو إليزابيث وجين مهذبتين وحسنتي السلوك، مع أن أمهما وأخواتهما عاديات جداً، لكن ذلك كان ضرورياً للقصة التي ترويها الآنسة أوستن. وأنا نفسي شعرت بالحيرة إزاء عدم تجنبها هذه العقبة حين جعلت إليزابيث وجين ابنتين من أول زواج للسيد بينيت، وجعلت السيدة بينيت الزوجة الثانية ووالدة البنات الثلاث الأصغر. لقد أحبت جين أوستن إليزابيث أكثر من جميع بطلاتها، وقد كتبت تقول «عليَّ أن أعترف بأني أعدها أمتع مخلوق ظهر في كتبي». فإذا كانت جين نفسها، كما يظن بعضهم، هي أصل صورة إليزابيث، وأنها منحتها مرحها، ومعنوياتها العالية وشجاعتها وفطنتها وجاهزيتها وسلامة تفكيرها وإحساسها السليم، فربما ليس من التهور الافتراض أنها حين رسمت جين بينيت الجميلة والرزينة كان في ذهنها أختها كاسندرا. ثم يصف موم طريقة كتابتها: لم ينظر أحد إلى جين أوستن كصاحبة أسلوب عظيم، كانت تهجئتها شاذة وقواعدها متداعية، لكنها تمتعت بأذن جيدة. وأعتقد أن تأثير الدكتور جونسون يمكن أن يتوضح من تركيب جملها. كانت ميالةلى استعمال الكلمة ذات الأصل اللاتيني أكثر من الكلمة الإنكليزية البسيطة، والمجردة أكثر من المحددة، وذلك يمنح عبارتها شكلية خفيفة وبعيدة عن كونها منفرة، وحوارها طبيعي بقدر ما يكونه الحوار. إن وضع الكلام على الورق كما يُنطق به سيكون مضجراً جداً، ومن الضروري إدخال بعض التعديل عليه. لم أقل بعد شيئاً عما يجول في ذهني حول الميزة الأعظم لهذا الكتاب الفاتن: إنه كتاب ممتع – بل أكثر إمتاعاً من بعض الروايات الأهم والأشهر. وكما قال سكوت، تتعامل الآنسة جين مع الأشياء العادية والمشاعر المعقدة، ومع شخصيات الحياة العادية، لا شيء يحدث ويثير الاهتمام، ومع ذلك حين تصل إلى أسفل الصفحة تقلبها بتلهف لكي تعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك مباشرة، ولكن لا يحدث شيء ذو أهمية، فتقلب الصفحة ثانية في ذات التلهف.