د. غالب محمد طه
من مكة، ومن لهيب رمالها الحارقة، انطلق هتاف يشق الأرجاء
أحدٌ أحد.. بصوت خافض، ولكنه انطلق بعزم وقوة وثبات يصم الأذان.
كلمة انطلقت من الشعاب وتحت وطأة التعذيب، خرجت وتجاوز صداها الآفاق واقشعرت لها الأبدان ووجفت بها القلوب..
أحرف ثلاث قيلت بثبات جبل أحدٌ وبيقين تام، من إيمان زرعه في القلوب أعظم من امتلكها بعد أن فتح في الأرواح مسارب ضيء تثبت عظمة الإيمان وقوته عندما يجري في الدم، فالقلوب أعيدت صياغتها والعقول تمت هندستها من جديد.
أحدٌ أحد..
ترى كيف كان شعور بلال وهو يرددها بعزيمة لا تعرف اللين وشكيمة تغلبت على كل صنوف عذاب أميه بن خلف؟
أي شكيمة تلك وأي تجلد وصبر..
أي صبر وتحمل يا بلال وأي يقين كان. وأي ثبات؟
وكيف تلقيت تلك البشارة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك:
سمعت دف نعليك في الجنة.
حقاً أن الصبر لا يكافأ إلا بالجنة.
يا الله.. أحدٌ أحد..
تري كيف كان صداها في قلوب المشركين يومئذ؟
وأي تأثير تركت في أولئك الواقفين على الحياد؟
وانطلقت الكلمة لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
كلمة باهرة، أبهرت صناديد الكفر يومذاك، وأدخلت الرعب في قلوبهم، وخلخلت عزيمتهم ودكت أركان الشرك، وحطمتها بعد أن غشاها الكفر باعتداد توارثوه من هُبَل، وما أدراك ما هُبَل.
ترى كيف كان طعم الإيمان في قلوب من دخلوا إلى الإسلام في بداية عهد النور؟
بل كيف كان شعورهم وهم يرددون كلمة «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله وكيف كان طعمها؟
بل كيف كان شعور المسلمين يوم علمهم سيدنا محمد تلك الكلمات الباهرة؟
إنه الإيمان، نعم حقاً هو الإيمان بالله..
الإيمان الذي يمسك بتلابيب الروح..
الإيمان الذي يأتي بعد رحلة بحث عميقة..
الإيمان الذي كان يبحث عنه سيدنا سلمان الفارسي بشغف عبر رحلته من المجوسية إلى المسيحية حتى وصل إلى يقين الإيمان، بمحمد وبالله..
بل هي لذة الإيمان عندما يقع على القلوب العطشة..
يا الله..
كيف كان شعور السيدة خديجة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لها «ربك يقرؤك السلام».
بل أخبروني عن سر ارتجاف ذاك الجبل الأصم الساكن يوم صعد عليه أفضل خلق الله أجمعين.
وكيف كان ثبات سيدنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للجبل: «اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان» وكيف كان وقع تلك الكلمات عليهم؟
البشارة بالصدق وبشارات الشهداء.
بل حدثوني عن شعور الصديق أبا بكر عندما قال: فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت!
أي حب هذا، بل أي إيمان ذاك؟
بل أي إحساس داخله وهو يسمع المصطفى يقول: «ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن إخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر «رضي الله عنه وأرضاه».
كيف كان شعور عبد الرحمن بن عوف ورسول الله يواخيه مع سعد بن عوف يوم الهجرة؟
أي إيثار يا سعد وأنت تتقاسمه بالمال والبيت.
وعبد الرحمن يردد بَارَكَ الله لكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ، أيْنَ سُوقُكُمْ؟
أي مؤاخاة وأي ثقة بالله يا ابن عوف؟
يا لتلك الدعوة القدسية التي غيَّرت القلوب وهذبت الأنفس وامتلكت الأفئدة.
إنه الإسلام، الدين الذي أضاء بنوره العالم..
يا له من دين سهل موافق للفطرة.
ويدعو للأخلاق السامية إن لم يقل خير البرية إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق..
دين ليس من صنع البشر، بل البشر يسهمون في نشره بأخلاقهم السامية وقيمهم الرفيعة العالية.
وأي بشارات تلك التي أعلنتها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية، بدخول أكثر من 300 ألف مسلم جديد بمختلف مناطق المملكة خلال السنوات الخمس الماضية، وأي شرف نالته الوزارة ودعاتها الأجانب وجمعياتها الدعوية المختلفة وأي صبر وأناة تلك التي مارستها الوزارة عبر خططها الإستراتيجية وجهودها المقدرة لدعوة غير المسلمين وتعريفهم بالإسلام ونشر قيمه السمحة وإزالة ما يعتريه من شبهات.
الله الله على تلك القدوة الصالحة والدعوة المباركة والمواقف السمحة التي تبنتها الوزارة وأركان سلمها الميامين. فحقاً العالم اليوم، أحوج للاعتدال والوسطية، وما انتهجته المملكة في تواصلها الحضاري مع شعوب العالم المختلفة ومشاركتها الفاعلة والدائمة في جميع المناسبات الدينية والمحافل الدولية ووقوفها يداً بيد مع الجميع ما هو إلا انطلاق من رسالتها السامية في خدمتها للإسلام والمسلمين بلا من أو أذى، ودعم كل عمل يسهم في جمع الصف الإسلامي.
فالدعوة أخي المسلم ليست قاصرة على وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد أو الدولة فقط، فالدعوة لله جزء من سلوك المسلم في بيته ومع أسرته وعمله وتعامله مع الآخرين الذين يرون سماحة الإسلام قولاً وعملاً وفي تفاصيل حياتنا، ورب كلمة وعمل أعظم شأناً في نفس غير المسلم تجعله يدخل لهذا الدين الحنيف.
ولا عجب في الأمر.
وطوبى لمن دخل الإسلام على يديه وقال «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله»
أحدٌ أحد.. نرددها اليوم سيدي بلال ولظى رمالنا ترطبها نسمات مكيفات باردة.
نرددها عسي أن يسمعها سامع وتقع على قلب واصِب ويهدي بها رجلاً واحداً نكتفي به من حُمْرِ النَّعم..
وتستمر المسيرة القاصدة لله دعوةً وتبليغاً.
وأختم بأبيات لبيد بن ربيعة:
أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللَهَ باطِلُ
وَكُلُّ نَعيمٍ لا مَحالَةَ زائِلُ
وَكُلُّ أُناسٍ سَوفَ تَدخُلُ بَينَهُم
دُوَيهِيَةٌ تَصفَرُّ مِنها الأَنامِلُ