رمضان جريدي العنزي
للزمن تقلبات وتحولات وتغيرات ودوائر، فقد ينتقل الإنسان من حال الغنى لحال الفقر، ومن حال الصحة لحال المرض، ومن حال القوة لحال الضعف والوهن، ومن حال الصفاء لحال الكدر، ومن حال الزود لحال النقص، ومن حال الثراء والرخاء لحال الكرب والشدة، فالدهر لا يبقى على حال، بل كل أمر بعده أمر، قال تعالى في محكم تنزيله: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، وقال الشاعر حمدان الشويعر:
الأيام حبلى والأمور عوان
وهل ترى ما لايكون وكان
لا تأمن الدنيا ولو زان وجهها
ترى رميها للعالمين حفان
إن التأمل في حركة الزمن ودوائرة ومنحنياته وتعرجاته، تجعل المرء يعيش حالة الصدمة تجاه حالة الدائرة الهندسية الحقيقية للحياة، والتي تختلف جذرياَ عن حالات الهندسة الأخرى كالمثلث والمربع والمعين، فالزمن دائري، والحياة فيه دائرية، حتى الأفلاك والمجرات والأرض والطواف والحساب الفلكي وعقارب الساعة وتعاقب الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات والحياة والموت، أن الحياة لا تقف على حال مهما كان هذا الحال، فهي خليط بين الشدة واللين، والاجتماع والفرقة، والنجاح والفشل، إنها أحوال تتبدل وتتغير بين الآمال والآلام والحسرات فدوام الحالِ فيها من المحال، فالإنسان فيها يعيش حالاً بعد حال، فليس كل فرح فيها باقٍ، ولا كل حزنٍ فيها دائم، ولا كل ألم فيها مستقر، إنها سنة الله في خلقة، ليمتحن صبرهم وقوة إيمانهم في السراء والضراء، والشدة والرخاء، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، إن الحياة وشؤونها تعطينا كل يوم دروساً مجانية لنستوعبها جيداً ونستحضرها في سياقات مختلفة كونها متقلبة لا تستقر على حال، إن الإنسان الذكي والمتوازن هو الذي يستوعب ويدرك ويعي ويعيش وفق هذا الأساس والمنهج، وعليه أن ينظر للحياة نظرة واقعية إيمانية صلبة بعيداَ عن نجوى الشيطان وخياراته وخيباته ومسالكه.
يقول النمر بن تولب:
فيوم علينا ويوم لنا
ويوم نساء ويوم نسر