د. جاسر الحربش
عندما يحذر عقلاء السياسة في الشرق والغرب من انفجار حرب إقليمية إن لم يتوقف القصف الهمجي الإسرائيلي والهدم والتجويع في قطاع غزة بينما عيون العالم كله مركزة على الأعداد المهولة للقتلى والجرحى من الأطفال والنساء، فذلك لأن هؤلاء السياسيين مطلعون بحكم مسؤولياتهم على ما قد تضطر الدول العربية والإسلامية لفعله إن لم يتوقف العدوان الوحشي والضغط والترويعي على المستضعفين المشردين من ديارهم لمغادرتها إلى المهاجر في الخارج.
المؤكد أن الحكومات العربية متألمة ومهمومة مثل شعوبها من المجازر التي يتعرض لها أهل غزة، لكن حسابات المسؤوليات العظام لا تعتمد العواطف بمعزل عن النتائج المحتملة لاتخاذ القرارات الكبرى. ما يدور بين حكام وحكومات الدول من الاتصالات والاعتراضات وطرح الاحتمالات المصيرية لا يتسرب منه إلا القليل، ليبقى الكثير في الأضابير والملفات إلى أن ترفع عنه السرية المطلقة.
الشعوب تميل عاطفياً وتضامنياً للوم والتساؤل لأنها تتعرض للشائعات والأقاصيص التي يكون الكثير منها مدسوساً بخبث في أجندات معادية مجهولة، ولأنها تجهل ما يدور من الشد والجذب في ميادين السياسة والدبلوماسية.
من الواضح المتداول بكثافة في وسائل التواصل الشبكي أن أكثر ما أثار أصحاب الضمائر الحية في كل العالم حيال التوحش الإسرائيلي في غزة هي الكوارث التي أصابت الأطفال والنساء في القطاع كله وفي سجون الداخل الفلسطيني المحتل. عشرات الألوف من الأطفال والرضع قتلوا عمداً ضمن أهداف التطهير العرقي بالقصف الثقيل المباشر، وأعداد مثلهم مزقت وتكسرت أطرافهم فيضطر الأطباء لبترها وترقيع جروحها دون تخدير، وألوف أخرى دفنوا تحت ركام الأسمنت والحديد وما يزيد على اثني عشر ألف طفل يُتِّموا وشُتتوا فلا تعرف مصائر أهلهم وذويهم، لا ماذا حل بهم ولا أين هم وأين جثامينهم. بين آلاف المعتقلين عشوائياً في السجون الإسرائيلية أعداد كبيرة من الأطفال والقصر والنساء والفتيات يتعرضون للضرب والتعرية والتجويع والانتهاكات الجسدية بتشفٍّ عنصريٍّ لا مثيل له في التاريخ.
في المأثور العربي الشعبي جيء بمذنب للتحقيق فضرب أشد الضرب لكنه استمر في إنكار ذنبه، وعندما جيء بطفله الصغير وهدد بضربه اعترف قائلاً حين كنتم تضربونني تحملت ولكن عندما أردتم ضرب كبدي اعترفت. سبق أن قال شاعرنا القديم حطان ابن المعلا عن مكانة الأطفال في المجتمعات البشرية:
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض. لا يوجع مكان في الكائن الحي مثل الكبد التي تتعرض للركل أو للضرب أو الطعن. لهذا السبب يلوِّح راكب الراحلة الصحراوي بالبطان في الهواء على كبد الجمل دون ضربه لحثه على الإسراع، فهو يعلم أن لا مكان يوجع الجمل مثل ضرب كبده أو حواره الصغير. الجمل بالمجاز هو الكائن الموازي وصفياً للعربي الصامد في صبره وغيرته على أنثاه وقدرته على تأجيل الانتقام حيناً من الدهر ثم ينقض على من أهانه بالضربة القاضية.
ومسك الختام هو التأكيد على ما هو معروف من تجارب الماضي القريب والبعيد أن المملكة العربية السعودية هي دولة الرصانة السياسية والمرجعية الأمنية للعرب والمسلمين لحل المشاكل العويصة وإغاثة المحتاجين وتفكيك النزاعات المستعصية، بدون ضجيج ولا مزايدات، ومن ذلك مصير غزة وكل فلسطين العربية التي سوف تستمر من أولى اهتمامات السعودية الوطنية والإقليمية والعالمية وما التوفيق إلا بعد الاتكال على الله.
** **
- الرياض