حسن اليمني
من المستحيل هزيمة مقاومة شعب مثلما أنه من المعقول تدمير فصائل مقاومة في معركة طويلة الوقت، خصوصاً حين تكون هذه الفصائل محاصرة براً وبحراً وجواً، سيكون الثمن باهظ التكاليف لكن النتيجة ستتوافق ومنطق الأشياء، والحال كذلك إذن ماذا وراء بقاء قضية فلسطين مستمرة بحروبها المتكررة طيلة ما يقارب قرناً من الزمن برسم صورة ثور يضرب بقرنيه على صخر صلب؟.
في ما عدا القنبلة النووية فإن الكيان الصهيوني استعمل كافة أسلحة الدمار والتدمير وتجاوز ذلك بنفث الحقد والكراهية حتى على المقابر ورفات الموتى، استخدم الكلاب في الإنفاق ثم الغاز السام ثم ضخ المياه ثم أسلحة الليزر وهو لا زال مصراً على تحقيق شيء أي شيء، ومهما كانت استعدادات فصائل المقاومة لمواجهة مسافة الحرب الزمنية فإنها تبقى محدودة بفترتها الزمنية في حين أن الاحتلال مهما استهلكه الزمن الحربي لن يشتكي من مداد السلاح والتموين وابتكار أبشع وأقذر الأساليب العسكرية والإجرامية بحثاً عن انتصار مؤقت.
نعرف أن كل حرب مهما كان مداها الزمني لا بد وأن تخلق مناخاً لما بعدها، ولقد تكررت الحروب في فلسطين وكانت كل مرة تخلق مناخاً أقوى وأشد من سابقه، والسؤال المهم هو إلى أي مدى يجب أن يصعد القتل والتدمير ليصل الطرفان إلى القناعة بعدمية المنطق في الاستمرار؟، للكيان الصهيوني ومن هم خلفه مساحة واسعة من الخيارات في حين لا خيار أمام رغبة التحرر إلا التحرر.
ليست مبالغة حين نقول إن المقاومة في فلسطين ضد الاحتلال تتطور وترتقي بقوتها العسكرية والتصنيعية والمناورة السياسية كما أنه لا أحد يقلل من حجم القوة العسكرية للكيان الصهيوني ولا قوة وجسارة حلفائها لنصرتها دون إعارة أي أهمية لحق أو باطل، كما أن الحقيقة تظهر لنا أن استمرار قضية فلسطين في هذه الفوضى في القتل والتدمير صارت تعطي عصابات مسلحة في المنطقة مبررات تخدمها وتستخدمها في تفعيل الفوضى والمخاطر في المنطقة التي بالأمن والسلام يمكن لها أن تساهم في تنمية وترقية رفاهية الإنسان في العالم كله مع الدول الأخرى، كما أن تقليص بؤر الصراع في العالم يخدم القوة الراغبة في الهيمنة والسيطرة على العالم ولا يوجد منطق يعطي نشر الفوضى وزراعة بؤر الصراع المتفرقة حول العالم حكمة أو رشداً. الشرق الأوسط كما يسميه الغرب أو الغرب الأوسط كما يسميه الشرق هو الوطن العربي وجواره الإقليمي وهي منطقة حضارات عريقة ومخزن ثروات طبيعية ثرية منفتحة على العالم وراغبة في المساهمة معه لترقية رفاهية الإنسان في كل مكان على كوكب الأرض دون تمييز، وتسعى للنهوض بدولها لمصاف الدول المتقدمة كسوق مفتوح للاستثمار والتنمية متجاوزة تاريخ الصراعات وتصادم الحضارات والثقافات فما هو المبرر لحرقها بالفوضى والاضطرابات إلى درجة تأخذ العالم كله نحو التصادم والتدمير، ألا يمكن استخدام الخير بدل الشر أو على الأقل تجربة ذلك لفترة ولو مؤقتة لحل القضايا المستعصية مثل قضية فلسطين لتهيئة المناخ العالمي لبناء عالم جديد يتنافس في الرفاهية البشرية بدل الاستهانة بالروح الإنسانية.
أغلب الظن أن العالم كله سينحاز لهذا الخيار وهو فعلاً يسعى إليه باستثناء جزء من هذا العالم يرى أنه قادر على صناعة عالم جديد خارج التاريخ ومفرزاته استناداً على ما يملكه من مدنية بالغة التطور وغير مسبوقة منذ وجد الإنسان على الأرض، طبيعياً أن المقصود بهذا الجزء من العالم هو العالم الغربي أمريكا الشمالية وأجزاء من أوروبا الذي لا زال يرى قضية فلسطين مثل رؤية العين المجردة لحجم المريخ في كبد السماء كنقطة في سطر، خلاف حجمه الحقيقي الذي يظهر أن العالم كله لن يتخلص من بؤر الصراعات واستمرار الحروب في المنطقة العربية قبل تصحيح الرؤية والنظر لحجم القضية الفلسطينية وأثرها وتأثيرها على أمن وسلامة العالم كله، استمرار هذا التجاهل لن يزيد المقاومة الفلسطينية للاحتلال إلا قوة واحتمال نهاية كيان الاحتلال الصهيوني واردة ومنطقية ونهاية حماس والجهاد ممكنة أيضاً لكن إطلاقاً وأبداً لا تنتهي مقاومة أي احتلال إلا بزواله.
** **
- الرياض