عبدالوهاب الفايز
الذي يقرأ ويحلل بعمق البيان المشترك الذي صدر في ختام زيارة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت للمملكة، (الثلاثاء 30 يناير الماضي)، سوف يجد أنه تضمن جميع الأمور الأساسية التي تهم العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين البلدين، وأيضاً الأمور الإقليمية والدولية في مختلف المجالات، وسيكون هذا البيان بما تضمنه من شمولية ووضوح وتضامن (وثيقة تاريخية) يُرجع إليها لمعرفة موقف البلدين في مختلف المجالات والقضايا والتحديات، وهذا الوضوح في الرؤية والمواقف يعزز ويدعم ويرسخ العلاقات التاريخية الطويلة بين البلدين، والأهم سوف يكون المرجع الأساسي لمن يريد الفهم الصحيح لمسار العلاقات بين البلدين.
ولا نستغرب هذا العمق والوضوح في البيان الختامي، فطبيعة الزيارة ومستوى الوفد الرفيع المرافق لسمو الشيخ مشعل، وأيضاً الاستقبال الخاص والحفاوة الكبيرة التي لقيها أمير الكويت من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، يحفظهما الله، كل هذه جعلت من زيارة الدولة الأولى لأمير الكويت منذ توليه الحكم، منطلقاً يحمل الكثير من الإشارات والرسائل الايجابية المفرحة والمعززة لعمق العلاقات الكويتية السعودية.
نعم، نحن نفرح بكل نقلة نوعية جديدة في العلاقات والروابط الأخوية التي تجمعنا بالأشقاء في الكويت وفي بقية دول مجلس التعاون، فالمجلس قام ليكون الرابط الجامع المعزز للمصالح المشتركة للشعوب في المنطقة. فأمن واستقرار دول المنطقة يُكمل ويُعزز الأمن الوطني لبلادنا وللعالم العربي. ولا يمكن أن نطمئن كمواطنين خليجيين، على استقرارنا وأمننا دون الاطمئنان على عمق العلاقات بين القيادات والحكومات، لذا نسعد عندما تكون المواقف والأفعال والمنجزات على مستوى التحديات والتطلعات.
وللحقيقة نقول إن مواقف القيادات الخليجية حين الأحداث الكبيرة التي تهدد الأمن والسلام في المنطقة وسرعة الاستجابة والتنسيق وتوحيد الكلمة والجهد، كل هذه تجعلنا نثق بأهمية الوحدة الخليجية وبالحكمة السياسية التي توارثتها القيادات من تاريخها الطويل في الحكم. وفي دول الخليج لا نستغرب عمق التنسيق للمواقف لأن المصلحة العليا للشعوب الخليجية هي المحرك والدافع الأساسي للحكومات، وهذه الحقيقة هي التي تجعل القيادات السياسية تتفهم المواقف، وتقدم حسن النية في تفسير الأحداث والتحركات والتصريحات. إذاً الأهداف الكبرى الأساسية واضحة، فالتباين في وجهات النظر وفي الآليات السياسية المتبعة في التحركات الثنائية أو المتعددة تفهم وتفسر في هذا السياق. لا مجال للظنون السلبية.
والتفاهمات المستمرة في الأمور السياسية والسيادية عامل داعم وحافز لبذل الجهد في الأمور التي تعمق المصالح بين الشعوب. ونقصد هنا الاهتمام بتعزيز التعاون والتكامل في الأمور الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. فهذه هي التي توحد الشعوب وتربط مصالحها، وهذا هو العامل الحاسم للتكامل بين الكتل والتجمعات الدولية، كما هو حال الاتحاد الأوروبي. فالدول الأوروبية وجدت أن التكامل الاقتصادي الواسع في كل المجالات هو الذي يضمن للقارة حقبة السلام الذي يُنهي الحروب الأوروبية الطاحنة التي استمرّت لعدة قرون.
وإذا عدنا إلى محتوى البيان الختامي للزيارة سوف نجده يحمل روحها ودلالاتها، بالذات (مستوى ونوعية الوفد المرافق) لسمو أمير الكويت، وهذا يطمئن ويعزز القناعة على قوة الحكم وتماسك أركانه، فالكويت حكومة وشعباً تؤكد أنها جاهزة للانطلاق إلى المستقبل، ومستعدة للإنجاز الذي يخدم شعوب المنطقة.
فالبيان تضمن مجالات رئيسية للتعاون المشترك الذي يستثمر منجزات السنوات الماضية ويبني عليها، وعلى (الروابط التاريخية الراسخة والعلاقات الأخوية المتينة التي تجمع بين قيادتي المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وشعبيهما الشقيقين، وتعزيزاً للعلاقات الثنائية والشراكة الإستراتيجية بينهما)، كما جاء في البيان الختامي.
لقد اتفق البلدان على (زيادة التسهيلات التي تساهم في تمكين الاستثمارات السعودية في دولة الكويت في عدد من القطاعات المستهدفة بما في ذلك القطاع الصناعي، وقطاع الاتصالات، والشراكة اللوجستية والتقنية المالية والبنية التحتية والتطوير العقاري). أيضاً أشار البيان إلى ترحيب (الجانب السعودي بقيام المستثمرين والشركات الكويتية بتوسيع أعمالهم في المملكة والاستفادة من الفرص المتاحة في المشروعات العملاقة التي تشهدها جميع القطاعات وذلك ضمن استعدادها لاستضافة الأحداث الكبرى في السنوات القادمة)، وفي جانب مهم عبر الجانبان عن تطلعهما إلى توقيع اتفاقية (تجنب الازدواج الضريبي).
تضمن البيان الختامي المجالات التي تعزز التعاون بين البلدين منها: (1) كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها ورفع الوعي بأهميتها، وتبادل الخبرات في قطاع شركات خدمات الطاقة، وتنمية القدرات في مجال كفاءة الطاقة. (2) الكهرباء، والطاقة المتجددة، والتبادل التجاري للطاقة الكهربائية بالربط الكهربائي، وتطوير سلاسل الإمداد واستدامتها لقطاعات الطاقة، وتمكين التعاون بين الشركات لتعظيم الاستفادة من الموارد المحلية في البلدين بما يسهم في تحقيق مرونة إمدادات الطاقة وفعاليتها. (3) حماية البيئة البحرية، وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين في هذا المجال خاصة المنتجات الزراعية، وفق الاشتراطات المتفق عليها بين البلدين.
(4) الاتصالات، والتقنية، والاقتصاد الرقمي، والابتكار، والفضاء. (5) القضاء والعدل. (6) النقل الجوي والبري والسككي والموانئ والخدمات اللوجستية والطيران المدني. (7) الثقافة، وإقامة الأنشطة والفعاليات والندوات الثقافية بين البلدين الشقيقين. (8) السياحة، وتعزيز العمل المشترك لبناء القدرات السياحية وتنمية الحركة السياحية في البلدين والمنطقة بما يحقق الأهداف التنموية المستدامة. (9) الرياضة، وتعزيز الشراكات في البرامج والأنشطة الرياضية. (10) مجالات التعليم العالي والبحث العلمي، وتشجيع العلاقات العلمية والتعليمية المباشرة بين الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في البلدين وتفعيل برامج التبادل الطلابي وأعضاء هيئة التدريس.
وفي المجال (11) الإعلام والذي يهمنا كإعلاميين، اتفق البلدان على تعزيز الشراكة في جهود التصدي للمعلومات المضللة، ورفع موثوقية المحتوى الإعلامي من خلال تطبيق أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، والتنسيق حيال اتخاذ المواقف الدولية المشتركة للتعامل مع المحتوى المخالف للقيم الإسلامية والثقافة العربية، والمواكبة الإعلامية لما يستضيفه البلدان من مناسبات وفعاليات، والعمل على إبرازها إعلامياً. (12) الصحة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الصحية وشركات القطاع الخاص في البلدين، والتعاون التنظيمي والرقابي في مجالات الغذاء والدواء والأجهزة الطبية. (13) المالية، وتبادل الخبرات والتجارب في مجال تنفيذ الإصلاحات المالية وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز كفاءة وشفافية المالية العامة، والتنسيق المشترك بشأن القضايا الإقليمية والدولية من خلال المنظمات والمؤسسات المالية الدولية.
كما تلاحظون هذه المجالات عملية تنفيذية، وفي تصوري أن تفصيلها بهذا الشكل في البيان يحمل رسالة للقيادات الحكومية في البلدين، وهي ضرورة التركيز على إنجاز هذه الأمور التي تصب في مصالح الناس وتوحد مصادر رزقها حتى تجعلها تفكر بـ(المكاسب التي بين يديها) حين تدلّهم الأمور، فالشعوب التي ترى أن ما يجمعها ويوحدها أكثر وأكبر مما يفرقها.. هنا تكون أكثر حرصاً للدفاع عن مصالحها المشتركة.
القادة يقولون لنا: اهتموا بالأمور الاقتصادية واتركوا لنا الشأن السياسي، فنحن نعرف كيف نتفاهم ونوحد الجهود.
نتطلع إلى انعقاد أعمال الدورة الثانية لمجلس التنسيق السعودي - الكويتي خلال هذا العام بدولة الكويت، حتى يتواصل العمل لتنفيذ هذه المبادرات المتفق عليها، ولتحقيق تطلعات القيادات السياسية.