ليلى أمين السيف
قالت لي إحداهن ذات مرة.. شهورٌ عديدة ويمكن سنوات وأنت تدعين الله ولم تستجب دعواتك.. أين الخطأ؟
ويقول أحدهم «كنت باراً بأهلي وأنا وحيد أمي على عدة بنات.. لم أترك أمي أبداً ولا إخوتي.. وفيت بكل متطلباتهن وتوفي والداي وهم راضون عني ولكنني ابتليت بعقوق أبنائي كلهم.. أشعر بالخذلان والقهر.. تمنيت أن يعوضني الله بواحد على الأقل ولكن أحسنهم معاقٌ.. الحمد لله في كل حال»..
بكل يأس تحدثت:
«رغباتي الملحة ودعواتي اليومية كانت جزءاً من تفاصيل أيامي سنيناً عديدة وأعواماً مديدة..
لم يتحقق منها شيءٌ..
مات شغفي واندثرت أحلامي.. لم أعد أرغب بأية منها»..
«أتحرى أوقات الإجابة كلها.. تعرفني الأزهار وتسمع أناتي أوراق الأشجار وتبكي السماء لوجعي وترسل السحب غيثاً يطيب خاطري ولكن تسلل اليأس لقلبي ورضيت بواقعي المنكود»..
«عندما شدت الحياة قبضتها عليّ كنت أشد من عزمي.. تكالب عليّ عديمو الذمة ومنعدمو الضمير.. فما جزعت ولا وهنت عزيمتي وازددت قوة وإصراراً وكافحت ويحسب لي محاولات عديدة منها الناجح البائس ومنها الفاشل رغماً عني..
ولكني أكذب إن قلت إني استطعت أن أفهم لماذا هم ينجحون في كل مساعي الشر.. وتفشل معظم محاولاتنا للخير..
كيف نهون على بعضنا بعضاً ما هذه القدرة العجيبة للبشر على الإيذاء..
تعبت.. هم يشرقون كذباً وزوراً وخيانة وأنا وغيري من الشرفاء ننطفئ ونسقط ونهوى إلى قاع البؤس..
هل ذلك عدلٌ.. ما زلت مؤمناً ولكنني متعب»..
يقول سبحانه: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}
يأتي متفذلك فيقول ماذا صنعت في حياتك فيعاقبك الله؟
فالآية واضحة وصريحة.. هذا ابتلاء الله لك ليكفر عن ذنوبك..
ويقول البعض الابتلاء قد يكون عقوبة أو تمحيصاً ورفع درجات وكل أدرى بنفسه.. فتتسلل الحيرة لقلب المرء.. أهو مذنب؟.. أهو مبتلى؟ يبدأ يلتفت حوله ولا يرى إلا الظاهر.. يرى ذاك فرحاً بحياته وآخر سعيداً بسفرياته وأحدهم فخوراً بأبنائه وأحدهم ذاع صيته..
ولكنه غفل عمن ينام جائعاً وفقيراً محتاجاً ومريضاً يتوجع أو مديوناً مهموماً ومظلوماً لا يعرف حتى كيف يشكو..
لقد رأينا في قصصهم آية قرأنا عن ابتلاءات الأنبياء..
وهم من هم..
فيقال ولكن الله استجاب لهم ولا تقارن نفسك بهم وأنت من أنت..
فنقول نظرة بسيطة لقصة سيدنا يوسف...
نعم أصبح يوسف ملكاً وعاد إلى أبيه ولكن متى.. بعد أن كفّ بصره وكابد شوقه وآلام فقده وعاش ابنه في زاوية من الكرة الأرضية بعيداً عنه ولم يشهد مراحل عمره.. كان يتوق لرائحته وسماع صوته.. متى التم شمل الأب المفجوع بحضن ابنه الحبيب..
وسيدنا إبراهيم رُزق بسيدنا إسماعيل ومع ذلك فقد ابتلي به من وضعه في وادٍ غير ذي زرع مروراً بالأمر بذبحه إلى أن اصطفاهم رب العالمين بالنجاة وغيرها من الأحداث التي نعرف..
نحن لا نفقه فقه الابتلاء ولا حقيقته ولا كيفيته.. ولكن علينا أن نتأكد أن الابتلاء ليس لسخط من المولى لعبده وإلا ما كان الأنبياء قد ابتلوا جميعاً..
وسبحانه الذي يبتلي عباده بالحسنات والسيئات.. فالابتلاء تمحيص يمايز الله به المنافق من المؤمن..
فقد لا تتحقق أية دعوة مما دعونا لحكمة يعلمها الله ولكننا نسأل الله الثبات فسبحانه يرسل لنا جنوده ليثبتوا علينا عقلنا وديننا.. وروح الله تعالى تطبطب علينا وتهدئ من روحنا في أدق مشاعرنا..
ويوماً ما ستأتي لحظة الاكتمال ويرتفع البنيان بعد أن يقوى الأساس..
هو بقربنا يسمع ويرى وما علينا إلا أن نقوم بدورنا وكل شيء آخر يتكفل به رب العالمين..
{وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ، إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.