د. محمد الشيخ أبو الهيجاء
صحراء الربع الخالي كنز السعودية الأثمن، ظاهرها رمال، وباطنها ثروات طبيعيَّة لا حصرَ لها، تعتبر أكبر صحراء رمليَّة متصلة في العالم، وتمتدُّ بين أربع دول خليجية هي السعودية واليمن وعُمان والإمارات، حيث تقع المساحة الأكبر منها داخل أراضي المملكة العربية السعودية، وتشكل تقريبًا ربع مساحة المملكة، وسميت بالربع الخالي نظرًا لقسوة البيئة الطبيعيَّة فيها وخلوّها من النشاط البشري آنذاك، وعلى الرغم من ذلك إلا أن رمالها مجبولة بثروات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي والمعادن والمياه الجوفية. بحسب الدراسات، فإنه قبل آلاف السنين، كان الربع الخالي عبارة عن بحيرة مياه عذبة، أو أنهار جارية ما زالت آثارها موجودة، ويوجد فيها الكثير من الآثار منها: حضارة قوم عاد وثمود التي وصفها القرآن الكريم: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر: 7-9]، فهذه الحضارة مدفونة تحت رمال الربع الخالي.
جيولوجيًّا، يعتبر الربع الخالي أحد أكثر المناطق الغنية بالنفط في العالم، حيث يحتوي على مخزون هائل من النفط تمَّ اكتشافه تحت الرمال مثل: حقل شيبة، في وسط الصحراء، وكذلك حقل الغوار، الذي يصنف كأكبر حقل نفط في العالم، يمتد ليصل جنوبه الأجزاء الشمالية من الربع الخالي. والحديث عن الربع الخالي، يأخذنا إلى تسليط الضوء على أهميته من الناحية الاستراتيجية للأمن المائي في المملكة، فطبقًا لبعض الدراسات تسبَح رمال الربع الخالي على بحيرة مياه جوفية عذبة بقدر مياه الخليج العربي كاملًا، وبسبب كون الربع الخالي مصبّ أودية نَجْد وبعض أودية عسير واليمن وعُمان، فإن هناك اعتقادًا واسعًا بوجود مخزون كبير من المياه تحت رماله،ففي عام 2002م صرح وزير الزراعة والمياه السابق الدكتور عبدالله بن معمر أنه تجري استكمال الدراسات التفصيلية والمسوحات النهائية للمياه التي تقع تحت صحراء الربع الخالي، وبعدها بعقد في 2013م صرح وزير المياه والكهرباء السابق المهندس عبدالله الحصين أن الوزارة بصدد الانتهاء من دراسة تقييم المياه الجوفية في باطن صحراء الربع الخالي، وأنه في ضوء تلك المعلومات قامت الوزارة بحفر ستة آبار اختبارية وأنها أثبتت وجود مياه كبيرة ومخزون هائل تحت رمال الربع الخالي يمكن الاستفادة منه.
فكانت البداية تتمثل في مشروع جلب المياه من الربع الخالي لمنطقة نجران ليؤمِّن وفرة مياه الشرب العذبة على مدار الـ40 عامًا المقبلة، ما يؤكد لنا الثروات الطبيعية والكنوز الجيولوجية التي تزخر بها أكبر صحراء رملية متصلة في العالم، وفي مقدمتها المياه الجوفية.
وفي الختام، إن المشاريع الاستراتيجية بالتنقيب عن النفط والمعادن واستخراج المياه الجوفية في صحراء الربع الخالي منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا ما هي إلا بتوفيق من الله وبسبب قوة الإرادة التي تتحلى بها القيادة الرشيدة، ورغبتها الأكيدة في تحويل الأحلام إلى حقائق على الأرض لإسعاد شعبها، وتقديم ما يؤدي إلى رفاهيته، فهذه الصحراء التي فتنت الرحالة والمستكشفين، بجمال كثبانها الرملية وسحر سمائها المرصعة بالنجوم لم تعد خالية بل أصبحت مصدرًا للحياة.