د. محمد بن إبراهيم الملحم
البنات وما أدراك ما البنات، يتمتعن بالقدر الكبر من حظ العاطفة سواء في الأخذ أو العطاء، فالبنت تحتاج العاطفة والحنان والرعاية لتنشأ بهما لطيفة المعشر لينة الطباع تحمل بين جنبيها ما يكفي من المشاعر الإيجابية التي تسقي فيها بذرة الأنوثة لتنمو وتزهر وتجسد روح الفتاة أو المرأة كما تطرأ على أي شعور إنساني سليم، وكما تقتضيها الفطرة القويمة. كما أن البنت في المقابل بقدر ما تحتاج إلى هذه الرعاية والاهتمام فإنها تعطي أضعافاً مضاعفة لما تأخذه فليست هي في هذا الشأن عنصراً استهلاكياً ناضباً بل على العكس فكلما حظيت بالاهتمام والرعاية تجسدت هذه الصفات والملكات في أخلاقها وسلوكها وتفاعلها مع كل من حولها، وأولهم من يمنحها الرعاية ويشربها كؤوس الاهتمام.
وفي هذا السياق لا بد من التنويه إلى قانون الاعتدال والتطرف، سواء التطرف يساراً مناهضاً لهذه المعاني أو التطرف يميناً مبالغاً فيها، فأما التطرف الأول فلا يصعب التعرف على عوجه وسوء منهجه فمعاملة أي إنسان بالجفاء وقلة الاهتمام هو في عمومه مذموم على الدوام وفي خصوصيته مع الأنثى خلق قبيح ومنهج منحرف سواء قسناه بمقياس الفلسفة الأخلاقية أو القيمة الدينية، فأما أخلاقياً فلاشك أن العالم بكل أديانه (وإلحاده) مجمع على اختلاف الأنثى عن الذكر وتصنيفها ضمن فئة الضعفاء مثل كبار السن والأطفال والذين ينبغي تقدير ضعف خلقتهم الجسمانية عن ما منحه الخالق للرجل، وأما دينياً فإن مجرد الاطلاع على سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع بناته ونسائه وأحاديثه عن المرأة أكثر من كافٍ للوصول إلى فهم كافٍ حول أي مدى ممعن في الاهتمام والرعاية يسير عليه هذا الدين، ولا يدعي غير ذلك إلا من أغمض عينيه عمداً عن سيرة النبي الكريم وذهب يبحث في سير سفهاء معاصرين لبسوا ثوب الدين واضطهدوا الأنثى.
الاعتدال الذي نتحدث عنه هو في التنبه إلى أن الرعاية والعاطفة الجياشة نحو المرأة قد تقود إلى ثقة مفرطة تجعلها أداة سهلة في يد السوق الاستهلاكي الجشع، فتبحر البنت - أو الزوجة - في بحر عالم آخر صيحة دون توقف بأي ميناء، والرجل المتلبس قبعة الرعاية والاهتمام يمارس التجديف لهذا القارب الذي لا يقف أبداً، بنات آخر صيحة لا يقتصرن على البحث عن أحدث الألبسة في أسواق غير أسواق مدينتهن (أو دولتهن) حتى لا ينافسهن أحد وإنما يستجبن لأي «ترند» يظهر بين الفينة والأخرى لدى الزميلات العزيزات في مباراة ذات ألف شوط لا تشبه أبداً مباريات أي دوري يتعلق بأسوار ملاعبه أخوهن المشجع المهووس... فهنا قهوة من نوع جديد وهناك شاي من نوع جديد وهنا جلسات مطاعم مختلفة وهناك محلات بها صرعات جديدة من أي شيء.. بنات آخر صيحة يبحثن عن كل صيحة ويتبعن آخر صيحة... ولا بأس «خلهم ينبسطون».
بنات آخر صيحة لا ينبغي أن يمارسن هوايتهن في المجتمع التعليمي سواء كن في مدارس التعليم العام أو في الحرم الجامعي، ذلك أن هذه الأمكنة لا تجمع الناس بشكل عابر كما تفعل الأسواق أو حتى الحفلات العامة والمقاهي وأمثالها، وإنما تجمعهم بعلاقة زمالة أو شبه زمالة تقوم أول ما تقوم عليه في التقليد والمحاكاة خاصة بالنسبة لعالم البنات، وبالتالي يمثل التراخي والتوسع في مذهب آخر صيحة مصدر إزعاج لكثير من الأسر المنضبطة اجتماعياً والمعتدلة تربوياً والتي توازن في أحكامها وتفاعلاتها مع متطلبات البنات وطريقة حياتهن، لا شك أن المؤسسة التعليمية لن تستطيع السيطرة على كل شيء ولكن لابد أن يكون لها إسهامها في التصرف مع هذه الظاهرة والعمل على رأب ما ينتج منها من آثار. لا أدعي أني أطالب بالتضييق على بناتنا الطالبات (كما قد يفهم بعض الناس) لكني أرى ضرورة توفير سياسات وأحكام وقواعد تحكم المجتمع التعليمي بكل مستوياته في التعليم العام والجامعي، كما أنه ينبغي أن تكون لأعضاء هيئة التدريس مساهمة عملية فعالة سواء في التوجيه والتوعية أو على أقل تقدير في تقديم القدوة الحسنة، وما أدراك ما القدوة الحسنة...
أخيراً ينبغي على أسر فئة بنات آخر صيحة القيام بواجبهم والذي أبسط مستوياته (طالما هم مقتنعون بما يفعلون) بتحديد أين يمارسون وهم وبناتهم العزيزات ممارسات آخر صيحة بما لا يضر بمجتمعهم ويفسد عليه نسقه الاجتماعي المعتدل.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً