د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الشاعر والعالم الأموي النسب العباسي الزمان محمد الكوفني أو الأبيوري، شاعر مميز كتب نسبه في مقدمة ديوانه، بعد أن مجد نفسه وآباءه، يعود نسبه إلى بني أمية، وأضاف ياقوت الحموي إلى نسبه تكملة بقوله ابن صخر بن حرب بن أمية، وهناك من شكك في نسبه، وأن ما سطره في ديوانه، وما ذكره في شعره إنما هو ادعاء باطل، لكن من غير المنطق أن يدعي رجل انتماءه لبني أمية في عصر بني العباس، في الوقت الذي يمكنه فيه الانتساب إلى أي بيت عربي شريف لو أراد، غير أن هناك من يقول إن بني أمية قد أفناهم بنو العباس، سوى عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك، وهو الملقب بعبد الرحمن الداخل الذي استطاع الهرب إلى الأندلس، وبناء دولة وحضارة عظيمة، وهم يستشهدون بما فعله أبو العباس السفاح من تعقب بني أمية، صغيرهم وكبيرهم والقضاء عليهم، حتى أنه عندما دخل سديف الشاعر على السفاح، وكان مولى له، وبجانبه أبو الغمر سليمان بن هشام بن عبد الملك، قال سديف شعراً، يحرض فيه السفاح على قتل بني أمية، فيقول:
لا يغرَّنك ما ترى من خضوع
إن تحت الضلوع داء دويًّا
فضع السيف وارفع السوط حتى
لا ترى فوق ظهرها أمويًّا
فما كان من السفاح إلا أن أمر بقتل أبي الغمر الأموي، ويبدو أن هناك مبالغة في قتل السفاح للأمويين، وما زالت أسر كريمة تنتمي لبني أمية حتى هذا اليوم، نعرف بعضاً منها، تعيش في دول مختلفة من العالم، لكن المؤرخين كثيراً ما يبالغون عند سرد القصص، حتى تكون أكثر تشويقاً.
والشاعر الكوفني يفتخر بكونه أموياً، رغم كونه يعيش في العصر الاسمي لبني العباس، ويقول:
أَنا المُعاويُّ أَعْمامِي خَلائِفُ مِنْ
أَبْناءِ عَدْنانَ وَالأَخْوالُ مِنْ سَبإِ
وأورد ياقوت الحموي قصة طريفة عنه مع الخليفة، حيث رفع له قصة كتب في رأسها من الخادم المعاوي، وهو اللقب الذي يلقب به نفسه، فكره الخليفة النسبة إلى معاوية، واستبشعها، فأمر بكشط الميم، فأصبحت الخادم العاوي، ثم ردها إليه.
لم يذكر أحد تاريخ ولادته على وجه الدقة، لكن هناك أبيات في قصائده استنتج منها بعض المؤرخين إلى حد كبير موعد الولادة، فقد مدح الخليفة المقتدي وابنه المستظهر، وأيضاً السلطان ملكشاه، ووزيره نظام المُلك العالم المشهور وابنه المؤيد بن نظام المُلك، ونظام المُلك بقي أثره العلمي حاضراً حتى يومنا هذا، والأقرب أنه توفي عام خمسمائة وسبعة هجرية، وهو في عمر الستين، وكانت الفترة التي عاش فيها فترة اضطراب، وأصبح للعنصر التركي القدح المعلى، بعد ضعف البويهيين الفرس المعتنقين للمذهب الزيدي والذين استحوذوا على السلطة سابقاً من العنصر التركي الذي قربه المعتصم، وكما نعلم فإن العنصر العربي قد فقد مكانته، بعد زوال حكم بني أمية الذين كان آخرهم مروان بن محمد الملقب بالحمار، وبعد تقلد العباسيين السلطه أصبح العنصر الفارسي، صاحب مكانة مميزة، لكن مع بقاء السلطة الحقيقية في يد الخليفة العباسي في العصر الأول من حكمهم، لكن بعد قتل المتوكل أصبحت السلطة في يد الأتراك الذين كانوا الحكام الفعليين، وليس للخليفة من أمر سوى إصدار المراسم، ثم حل العنصر الفارسي، ثم عاد الأمر إلى العنصر التركي، ويقول الشاعر:
خليفةٌ في قفصٍ بين وصيف وبغا
ويقول قالا له كما يقولُ البَبَّغا
ووصيف وبغاء، هما من موالي الخليفة الأتراك، الذين كان بيدهم الأمر والنهي في فترة من الزمن، ولنا أن نتصور ضعف الخليفة العباسي المقتدي، عندما يأمره السلطان السلجوقي ملكشاه بمغادرة بغداد، فيطلب إمهاله شهراً واحداً، فيرفض ملكشاه، ويقول: ولا ساعة واحدة، ويبقى الخليفة يرفع يديه بالدعاء، ويتقلب في الرماد، فيستجيب الله له، ويموت ملكشاه، فاعتبر العامة ذلك من بركات السلطان. ويقال إن الشاعر الكوفني، قد تواصل مع الأمويين في الأندلس يطلب منهم المجئ إلى بغداد، واستعادة مجد آبائهم، وآبنائه.
كان الكوفي أموياً عروبياً، يرى السلطة في يد العنصر التركي فيزيد غيضه، وقد شهد الشاعر حصار بيت المقدس من قبل الصليبيين، وسقوطه في أيديهم، وقتل سبعين ألفاً، منهم علماء أجلاء، فتثور ثائرته، ويستحث قومه بشعره لعلهم يتوحدون لمحاربة العدو المشترك، ويقول في إحدى قصائده:
مَزَجنا دِماءً بالدُّموعِ السَّواجِمِ
فَلَم يَبقَ مِنّا عَرصَةٌ لِلمَراحِمِ
وَشَرُّ سِلاحِ المَرءِ دَمعٌ يُفيضُهُ
إِذا الحَربُ شُبَّت نارُها بِالصَّوارِم
لقد كان هذا العالم الشاعر عربياً يتحرق على إقصاء العنصر العربي، وتسيد العنصر التركي ثم الفارسي ثم التركي، ولم يبق للخلافة سوى الاسم فقط، وهو أبى ألا يتكسب بشعره، ولم يدخل دهاليز المنافسات على المناصب، ولهذا فإن تأثيره السياسي والعسكري لإرجاع العنصر العربي كان ضعيفاً، ولم يكن بيده من سلاح سوى الشعر، هذا وقد ألف عدداً من الكتب لم يصلنا منها سوى كتابين، وقد مات في أصفهان مسموماً من قبل ملكشاه السلجوقي، وهو واقف على رأسه، حيث سقط إلى الأرض، ويبقى أن نذكر أن ديوانه يحتوي على العراقيات، والتحديات، فهل يا ترى عاش في نجد؟