د. فهد بن عبدالله الخلف
صدر في العام الماضي 2023م كتاب قوانين الإملاء لمؤلّفه الدكتور فيصل المنصور عن دار درّة الغوّاص في 216 صفحة من القطع المتوسّط يحوي بين دفّتيه مقدّمة للكتاب، ومقدّمة تعريفيّة بعلم الإملاء وما يتعلّق به من مسائلَ وأحكامٍ ثمّ قسّمه قسمين أحدهما خاصّ بموضوعات الإملاء، والآخر خاصّ بعلامات الترقيم، وتضمّن القسم الأوّل منه خمسة أصول، واندرج تحت الأصل الأوّل ذي العنوان (وحدانيّة الصور) ثلاثة أفرع، وعنون للفرع الأوّل بباب الهمزة، وانضوى تحت هذا الفرع ثلاثة أنواع هي: الأوّل: الهمزة الابتدائيّة، والثاني: الهمزة المتوسّطة، والثالث: الهمزة المتطرّفة. وعنون للفرع الثاني بباب الألف، وعنون الفرع الثالث بباب الضاد والظاء.
أمّا الأصل الثاني فكان عنوانه (المطابقة من غير زيادة ولا نقص)، وتضمّن فرعين هما: الأوّل: باب الزيادة، والثاني: باب الحذف. أمّا الأصل الثالث فكان عنوانه (مراعاة الحال الراهنة)، والأصل الرابع كان عنوانه (انفصال الكلم)، والأصل الخامس ناقش قضيّة (مراعاة الوقف والابتداء).
والقسم الثاني الذي عالج علامات الترقيم تضمّن مقدّمةً، وحصرًا لعلامات الترقيم ثمّ خُتِمَ الكتاب بفهرسين: فهرس المصادر، وفهرس الموضوعات.
وقد امتاز هذا الكتاب بعدد من الميزات التي ميّزته - من وجهة نظري- عن كثير من كتب الإملاء التي وقفتُ عليها، ومن هذه الميزات:
الأوّلى: فرادة التصنيف والتبويب، وفي ذلك يقول: «أمّا متنه فإنّي تحرّيتُ فيه خصالًا، منها أنّي أدرته على حقيقة الإملاء بعد إذ شرحتها وبيّنتها فقدّمت ذكر أصوله قبل الإفضاء إلى تفصيل فروعه، وأثبتّ مطّرد قوانينه قبل الإخبار عن شواذّها، وهو أمر لا تكاد تجده في شيء من كتب الإملاء مع أنّه من مقتضيات إحكام هذه الصناعة، ومن العون للمتعلّم على فهمها، وإدراك حدّها، وعلى معرفة وجه التدبير في ترتيب أبوابها، وانشعاب مسائلها» (المنصور، 2023م، قوانين الإملاء، ص5). فتبويب الكتاب خضع لفكرة ردّ الفروع إلى أصولها، وهذا من شأنه أن يدلّ المتعلمين على كليّات هذا العلم، وجزئيّاته، وكان تبويبه فريدًا من حيث إنّه لم يبوّب بطريقة الباب فالفصل فالمبحث فالمسألة... وإنّما كان تبويبه خاضعًا لفكرة الأصل والفرع إذ جاء بصورة قسم فأصل ففرع فنوع.
الثانية: قلّما تجد كتابًا معاصرًا تكون حواشيه تفوق متنه من حيث غزارة المعلومات، وذكر المذاهب الإملائيّة، وآراء العلماء في كتابة كثير من الكلمات، وقد كانت الحواشي لمن أراد الاستزادة العلميّة حول القضايا التي كثر الخلاف حولها مقرونة بترجيحات المؤلّف.
الثالثة: يمتاز الكتاب بعد ذكر الخلافات الإملائيّة في مذاهب الكتابة المتعدّدة بذكر ما يراه المؤلّف راجحًا مستندًا في ذلك إلى الأصول اللغويّة التي تُعين على الترجيح، ومن ذلك ترجيح المؤلف لحذف همزة الوصل، وذلك في وقوع همزة الوصل بين علمين مباشرين، وكتبت في بداية سطر جديد (المنصور، 2023م، قوانين الإملاء، ص86)، وهو بهذا يخالف كثيرًا من المعاصرين، ولكن بالاستناد إلى الأدلة التي يراها مرجّحة لذلك، وهو يوافق في ذلك رأي عالمين من المتقدّمين هما ابن خروف (ت609هـ)، والراعي (ت853هـ)، وترجيح المؤلّف له نصيب من النظر، فليس هناك علّة لغويّة لإبقاء همزة الوصل في هذا الموضع.
الرابعة: سعة مصادر المؤلّف التي بلغت تسعةً وسبعين ومئةَ مصدرٍ ما بين مخطوط ومطبوع، وما بين كتب وبحوث منشورة في مجلّات علميّة، وهي تنتمي إلى عصور متعدّدة ففيها المصادر القديمة، وفيها المصادر الحديثة، وفيها ما هو خاصّ بالإملاء، وفيها ما له صلة بالإملاء ممّا هو مبثوث في كتب اللغة والنحو والتصريف.
الخامسة: ميّز المؤلّف بين ما هو داخل في قواعد الإملاء أصالةً، وما هو طارئ عليها كهمزة الوصل، فهي مسألة لغويّة صرفيّة (المنصور، 2023م، قوانين الإملاء، ص20).
السادسة: كُتِبَ الكتابُ بطريقة الانتقاء الواعي فقد اطّلع المؤلّف على مدوّنات متعدّدة حول الإملاء فوُفّق لفرز الأهمّ من قواعد هذا العلم الذي يخدم قارئي الكتاب من مختلف طبقات المتعلّمين ما بين متخصّص ومبتدئ، فهو كتاب يخدم عموم المتعلّمين لهذا العلم المهمّ جدًّا.
السابعة: أجاد المؤلّف، إذ وضع ملحقًا موجزًا في آخر الجزء المتعلّق بالإملاء يتضمّن أهمّ قواعد الإملاء من غير تفضيل؛ لكي يستفيد منه من لا يريد البسط العلميّ من مبتدئي المتعلّمين والعامّة، وسمّاه (متن قواعد الإملاء مجرّدًا من الحواشي).
الثامنة: انفرد هذا الكتاب بعنوانه (قوانين الإملاء) فليس هذا العنوان ذائعًا فيما سبقه من كتب الإملاء -بحسب اطّلاعي- وليت المؤلّف قد بيّن في مقدّمته مسوّغ اختيار هذا العنوان؛ لكي نكون على بيّنة من داعي اختياره إيّاه، وهنا أطرح تساؤلًا هو هل مصطلح (القوانين) له خصوصيّة دلاليّة غير منطبقة على مصطلح (قو اعد)؟ ليس لديّ إجابة حاضرة عن هذا التساؤل.
التاسعة: كُتِبَ هذا الكتاب بلغة علميّة رصينة لا هي بالمتقعّرة، ولا هي بالمبتذلة، فهي لغة يفهمها القارئ مهما كان مستواه، ويفيد ممّا فيها من أساليب الحِجاج، وبسط الأدلّة، ومناقشة الآراء المتباينة، والتوفيق بينها، والبلوغ إلى الراجح منها.
العاشرة: في قسم علامات الترقيم صنّف المؤلّف علامات الترقيم تصنيفًا جديدًا -بحسب اطّلاعي- فقد قسّمها إلى ثلاثة أضرب ترجع علامات الترقيم كلّها إليها، وهذه الأضرب هي: الضرب الأوّل: العلامات النائبة عن الوقف والوصل مثل: الفاصلة، والفاصلة المنقوطة، والنقطة. والضرب الثاني: العلامات النائبة عن التنغيم مثل: علامة التأثّر، وعلامة الاستفهام. والضرب الثالث: العلامات المبيّنة التي ليست نائبةً عن شيء مثل: النقطتين الرأسيتين، والقوسين الهلاليتين، والقوسين المزخرفتين، وعلامة التنصيص، والقوسين المعقوفتين، والشرطة، وعلامة الاعتراض، وعلامة الحذف، وعلامة الخطّ السفليّ، والعلامة الأخيرة لم أقف عليها عند غير المؤلّف.
وفي الختام أنصح باقتناء هذا الكتاب، والإفادة منه، فهو يغني عن كثير من كتب الإملاء التي سبقته، ويُوقِف قارئه على أصول مسائل علم الإملاء، وما يندرج تحتها من فروع تؤول إليها، وفيه تلخيص بارع لما حوته مئات المصادر المتنوّعة في قواعد الكتابة العربيّة في مظانّها، وفي غير مظانّها من كتب اللغة والنحو والتصريف، ومستوى الكتاب يناسب الجميع فليس خاصًّا بالمتخصّصين، بل هو مناسب للمبتدئين، ولعامّة الناس ممّن يريدون القراءة في علم الإملاء.