د. شاهر النهاري
متوسط أعمار الأجيال البشرية يتزايد، فقبل قرن من الزمان كان الشخص الخمسيني، يعتبر هرماً، يشار إليه بالبنان، منحني الظهر تمد له الأيادي كلما قام، وتقرب له العصا إذا مشى، ويخدمه الجميع إذا طلب لقمة أو شربة.
في الحياة السابقة للتحضر والتقنية كان اليوم يبدو أطول، والشهر حكاية، والفصول والسنوات تمر مرور الضيق والصبر وتتحين الموت، حينما لم يكن هنالك تغذية متكاملة متوازنة، ولا علوم ومعارف صحية، ولا دواء، ولا راحة ورفاهية، ما يجعل العمر بقصر سنواته جزءاً من الملل.
ولكن الأوضاع الحالية تختلف، وحتى رقم الستين بين الأعمار لم يعد مثيراً للدهشة، واحتفاظ الشخص المسن بذاكرته وحواسه ونشاطه وقيادة سيارته واعتماده على نفسه، لم يعد غريباً ولا يشغل المحيطين به، وممن يرون أنه مازال قادراً على تولي شؤون خصوصياته وقضاء احتياجاته.
وزارة الصحة عام 1435هـ أكدت ارتفاع متوسط العمر في السعودية أصبح 74.2 عاماً، وهو رقم يتجاوز المعدل الإقليمي بست سنوات، والعالمي بأربع سنوات، ونحن بلا شك بحاجة لدراسة أحدث وأدق، لقياس الفرق الحالي.
والارتفاع الحاصل يكون مرتبطاً بالحالة النفسية، والتعليم، والوعي المجتمعي، والتغذية، والحياة المدنية، وتقدم الوسائل الصحية والطبية، وجودة الحياة والرفاهية، وغيرها من الظروف المسببة لطول العمر.
وفي عوالم كبار السن هنالك مقياس آخر مطروق على مستوى الأفراد والمجتمعات، فنجد القلة القليلة من كبار السن لا يتناولون الأدوية، بينما نجد الأغلبية يلتهمونها بشكل مستمر في محاولات منهم للاستمرار في كامل وعيهم ونشاطهم وصحتهم، والتوازن في هرموناتهم ومكونات دمهم، وغددهم، والحماية من الالتهابات، والأمراض المعدية، وصيانة بعض أجزاء من أجسادهم، ومواكبة الحركة للمفاصل والظهر والأطراف، وتحريك الدورة الدموية بشكلها الأقرب للطبيعي، ومقاومة الأمراض المعدية والمزمنة، وتعويض النقص الحاصل في الأملاح والمعادن ومقاومة وتأخير المتوقع من الأعراض الشائعة مثل الوهن ولين العظام وفقد الذاكرة، وفقد التوازن، وسائر ما يستجد على الوعي والجسد، الذي بطولة العمر يفقد الكثير، ومما يحتاج للمساندة والتعويضات الدائمة بحرص وعناية.
كم حبة دواء تأخذ؟ سؤال قد يحرج إذا أتى من غريب، باعتباره تدخلاً في حياة الفرد كبير السن الخاصة، ولكنه مطروق، ويثار على مختلف المستويات، وبعض كبار السن لا يجد الحرج في الإجابة عنه، بل إن بعضهم وحتى في المناسبات العامة، يخرجون من جيوبهم حبوباً يحتاجونها قبل وبعد الأكل، وربما ينزوون جانباً ليتناولوها في أوقاتها.
بعض كبار السن يتحكمون بكل ذلك بأنفسهم، وبعضهم يحتاج ليد قريب تحسب، وتقارن، وتناولهم الحبوب، والبعض ينسى، ويراكم القصور، فلا يعود يدرك بأنه أهمل في صحته، وأنه لا بد له من مراجعة طبيب يعيد ضبط الأدوية، وأنه لا بد له من تدخل قريب أو صديق لضبط روتين تناول النظام الدوائي.
كبير السن لديه أيضاً نقطة مقارنة ليست موجودة لدى صغار السن، فهو يحمد الله حينما يشاهد من يتناول حبات دواء أكثر منه، خصوصاً لو كان من يتناولها أصغر منه في السن، وكأن تلك المعطيات تثبت له أنه ما يزال بعيداً عن النهايات، وأنه يمتلك عرى الحرص والعقل، والجسد المهيأ لإتمام أجزاء أطول من طريق العمر القادم.
حبوب الضغط، والسكري، ومهدئات الصداع وألم المفاصل، تكاد تكون لدى الأغلبية من كبار السن، حتى أن بعضهم يمتلك الخبرة، وينصح بتغيير حبة بديل بحبة أخرى، وبعد ذلك تختلف نوعية الحبوب وحسب الأمراض والنقص، أو الأعراض، التي يعاني منها كل شخص.
حبوب كبير السن ضرورة ومسؤولية يتم مراعاتها وتجهيزها قبل أي خروج من بيته، وبجرعات واضحة، وبعضها يحتاج لعبوات تحدد اليوم والساعة، حتى لا يقع المسن في الخطأ، سواء بالفقد، أو تكرار الجرعة.
كبير السن معرض لضربات البرد والحساسية، والدوخة، وأمراض المعدة، ومطبات الجهاز الهضمي، ومعرض لأعراض كثيرة، جراء تعارض بعض أدويته مع غيرها، أو أخذها في غير وقتها، أو تكرارها، ولذلك يظل كالقابض على النار، يحاول الخروج من كل وقت بدون ضرر، وبما يناسب توازنه، ودون أن يفقد العد، أو يلخبط الجرعات، أو يهمل التداوي، وهذا يحدث لمن لا يجد من يرعاه، ويساعده بشكل حرص دائم.
كبار السن وممن يمتلكون المادة المريحة، يوظفون من يتابع حياتهم، ويرتب أدويتهم، ويذكرهم، ويحثهم على مواعيد عياداتهم، وتأمين الأدوية، فلا تنقص، وبالتالي يترك المسؤولية كاملة على من يخدمه، كونه لا يريد أن يشغل أحد أبنائه أو ذويه، ويصرفه عن مسؤولية ملاصقة دائمة.
أما من تنقص عنده المادة، فيظل يبحث عن البديل، والعون، وكله خجل، مما يسببه للآخرين من عناء.
كلمة في أذن كل صغير ومتوسط في العمر، أن ينظر للحياة بعين الوعي لصحته والعبرة من التفريط بتدخين أو تفريط في الغذاء، وأن يمد يده لمساعدة كبير السن القريب منه، أم أو أب، جد أو جدة، في منظومة محبة وتقدير وتكافل إنساني، وأن ينمي في جوفه فوائد علاقات القربى، يشعرهم بأهمية وجوده، ويمد لهم أيادي العون ودون أن يطلبوها منه، وكل ذلك قبل أن يبلغ هو نفس مبلغ الكبير، بمشاعره وشتاته وإحباطه وحيرته وخوفه وعجزه، وسط ظروف وحدة لا تجعله يغمض عينيه قرير العين، وألا يعيش حرج تكرار سؤال عن عدد الحبوب التي يتناولها.