عهود عبدالكريم القرشي
وراء كل كتاب قصة تأليف، وبغض النظر عن أهمية الكتاب وجودته، تأتي قصة التأليف -إن أحسن الكاتب سردها- حافزاً لقراءة الكتاب، ومادة جيدة لتسويق الكتاب والعزف على مشاعر القراء كي يقتنوه. كتاب اليوم له أكثر من قصة تأليف، حكايات بعضها فوق بعض! وقبل الغوص في بحر الكتاب واستخراج لؤلؤ فوائده أود استعراض بعض القصص التي دارت حول الكتاب.
يُحكى أن كاتباً أمريكياً يُدعى بليك سنايدر أحبَّ كتابة السيناريو وبرع فيه، وبعد سنوات من الخبرة المهنية في كتابة مسلسلات ديزني التلفزيونية، قرر هذا الكاتب إخراج زكاة علمه، وألف كتاباً شرح فيه ماتعلمه عن فن كتابة السيناريو.
وبالفعل صدر الكتاب عام 2005 م تحت عنوان «أنقذ القطة» متبوعاً بجملة توضيحية مهمة يقول فيها المؤلف: لن تحتاج إلى كتاب بعده لكتابة السيناريو. ضمّن سنايدر كتابه قواعد وقوانين كتابة السيناريو، بالإضافة إلى التصنيفات والنماذج بل وحتى المشاكل التي قد يواجهها كُتاب السيناريو. تُرجم كتاب «أنقذ القطة» للعربية على يد الكاتبة والسيناريست غادة عبد العال وصدر عن دار الكرمة المصرية 2023م.
ذاع صيت الكتاب، وارتحل حول العالم مُترجَمَاً وأصبح المرجع الأول والمهم لكل من أغوته موهبته دخول عالم صناعة الأفلام وكتابة السيناريو. ولكن عنوان الكتاب «أنقذ القطة» أثار عدة تساؤلات بين القراء والمهتمين. أي قطة التي يقصدها سنايدر؟ من أنقذها؟ كيف أنقذها؟ وماعلاقتها بالسيناريو؟ لتظهر لنا قصة أخرى خلف عنوان الكتاب.
يوماً ما وفي أثناء مشاهدة سنايدر فيلم «بحر الحب» وتحديداً المشهد الذي يقرر فيه آل باتشينو - الذي يؤدي دور رجل الشرطة - القيام بدور بطولي طفيف ولكنه مهم. دور يبدو أنه أضاء فكرة في ذهن سنايدر. بشكل عام ودون ذكر التفاصيل المُرهقة، يؤكد سنايدر -بما معناه- أن جميع الأفلام الناجحة تحوي مشهداً يُسميه «إنقاذ القطة»، وهو مشهد أساسي يحدد شخصية البطل - مثل إنقاذ قطة في مأزق- هذا المشهد كما يدعي سنايدر يدفعنا، نحن الجمهور، إلى الإعجاب بالبطل والاستمرار في مشاهدة الفيلم. أقول بأن فكرة عنوان الكتاب في ميزان الأخلاق العربية تعني الشهامة والقدرة على التصرف وفق المعطيات الإنسانية. وهذا أمر مشوق على مر الزمان.
وفي كل الأحوال سواء فهمنا عنوان الكتاب أم لا، توالت طبعات الكتاب عاماً بعد عام، وأظهر القراء عامة والمشتغلون بالسيناريو على وجه التحديد اهتماماً بقطة سنايدر! يحاولون تطبيق تعليماته الواردة في الكتاب، التي يبدو أنها آتت أكلها أفلاماً عالمية رائجة، كُتِبَت حواراتها كما يُحب المنتجون ويُعجب المشاهدين.
استمر إنقاذ قطة سنايدر في الانتشار حتى عام 2006م، حين وقع الكتاب في يد قارئة أمريكية مُختلفة، أكثر عُمقاً وذكاءً من غيرها، تُدعى جيسيكا برودي.
تخبرنا جيسيكا عن قصتها مع الكتاب فتقول: «كنت أعيش فترة تحوّل من مديرة تنفيذية سابقة لأحد استوديوهات الأفلام إلى روائية واعدة تشق طريقها بصعوبة. أجرب (وأفشل) في نشر كتابي الأول. يغص أحد أدراج مكتبي برسائل الرفض التي تقول لي جميعها العبارة ذاتها: «كتابة رائعة ولكنها تفتقر لوجود قصة». كنت حينها جاهلة أساساً بكيفية بناء الحبكة. حتى جاء اليوم الذي ناولني فيه صديق يعمل في مجال كتابة السيناريو نسخة من إنقاذ «حياة القطة» وقال لي: هذا كتاب مشهور جداً في مجال الكتابة السينمائية، أعتقد أنه مفيد أيضاً في مجال كتابة الروائية... بعدما قرأت الكتاب عدة مرات، وقارنت نموذج منهج سنايدر مع الروايات المشهورة... توصلت إلى فكرة تطبيق منهج «إنقاذ القطة» الخاص بالسيناريو على كتابة الرواية ولكن بشيء من التحوير والتعديل».
وبعد سنوات من القراءة وتأليف الروايات وتقديم ورش الكتابة الإبداعية صدر عام 2018م كتاب جيسكا برودي بعنوان «إنقاذ حياة القطة: آخر كتاب تحتاج إليه على الإطلاق في فنّ كتابة الرواية». وهو الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه. يبدو أن حياة القطة ارتبطت بالكتب الرائعة!
الكتاب بشكل عام يحوي خطوات عملية لكتابة رواية عصرية ناجحة، رواية يسهل على المنتجين تحويلها لأفلام سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية، حيث إن منهج إنقاذ القطة يعتمد على مؤشرات محددة، وخطوات معينة، وصورة مكتملة لكيفية صناعة الحبكة والتشويق. وهل يُريد كُتاب الرواية أكثر من ذلك؟
يُقال إن الرواية الناجحة هي التي تتضمن سلسلة من القصص المشوقة بداخلها تأسر القارئ، ويبدو أن كتاب «إنقاذ حياة القطة» يٌشبه محتواه المشوق! حيث تستمر قصة الكتاب!
في صيف 2019 م، ومن حسن حظنا نحن القراء العرب- اطلعت الكاتبة والمترجمة العراقية شهد الراوي على كتاب جيسيكا «إنقاذ حياة القطة» أعجبتها فكرة الكتاب وتساءلت: «هل حقاً نكتب رواياتنا بهذا التراتب المنهجي؟» ثم صارحتنا بقولها: «بعد تأمل العديد من الروايات التي قرأتها، وجدت أن معظمها يثبت صحة مرامي المؤلفة جيسيكا» ولهذا قررت ترجمة الكتاب.
صدرت النسخة العربية من كتاب «إنقاذ حياة القطة» عن دار المدى العراقية عام 2021م، وبعد نفاد الطبعة الأولى صدرت الطبعة الثانية عام2022م. أذكر تماماً في معرض الرياض للكتاب 2023م كيف أشاد الكُتبي في جناح دار المدى محمد صابر بكتاب «إنقاذ حياة القطة» ولكني ولسبب غير مفهوم أجلت اقتناء الكتاب، وفضلت قراءته على تطبيق أبجد. والحقيقة أنني بعد منتصف القراءة تقريباً بحثت عن الكتاب ورقياً وطلبته. لأن هذا الكتاب وببساطة شديدة أعزائي القراء، يُدرس ولا يُقرأ.
يطول الحديث عن كتاب «إنقاذ حياة القطة» والذي يقع في 373 صفحة من الحجم المتوسط، مُدججة بالمعلومات والخطوات والأمثلة، ولكن إن كنتَ بصدد كتابة رواية، أو كنتَ قارئاً نهماً للروايات، أو تستهويك فكرة تحويل الروايات لأفلام، أو بكل بساطة تُحب متابعة الأفلام، فكتاب جيسيكا «إنقاذ حياة القطة» كتاب مناسب لك. ولسوف نُغوص عميقاً في بحر الكتاب ونستخرج منه كنوز المعرفة سوياً في الجزء الثاني من المقال إن شاء الله.