ناهد الأغا
كان للخيل والفروسية في حياة العرب جميعاً منذ فجر التاريخ، وقديم الأزمان، حضور كبير جداً، واهتمام فائق الحد وميدان فسيح للفخر والخيلاء بين الأقران والأقوام، فأصبحت أمراً يسير بشكل متوازٍ مع مسيرة حياة العرب وحضارتهم وتاريخهم وحظيت الخيل والفرس بالعناية الكبرى من الفرسان والشجعان والشعراء، فكانت الركن الرصين والبارز في الحياة اليومية، وعنايتها ورعيتها مقدمة على الجميع، حتى غدت تتقدم على الأبناء اهتماماً وعناية، ونبصر وندرك ذلك بقول الشاعر عُبيدة بن ربيعة التميمي:
مُفداة مُكرمة علينا
يُجاع لها العيال ولا تجاع
وفي تتابع العصور والأزمنة في حياة العرب، نرى في كل مرحلة وعصر من الجاهلية والتغني والتمجيد بالفروسية والخيل مسلك اعتزاز بمقوم راسخ من مقومات حياة الإنسان العربي، فهو شاهد عيان حاضر بقوة لبيان قوته وشجاعته وبسالته، ورفيقه في ساحات الوغى، ولقد أشار الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد العبسي إلى محبوبته عبلة أن تسأل خيله عن بسالته وقوته، فهو من شهد معه الوقيعة والحرب، فقال:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
إذ لا أزال على رحالة سابح
نهد تعاوره الكماة مكلمي
وفي عصر صدر الإسلام، بقيت الخيل مرافقة درب النصر والشجاعة، ومحط اهتمام وعناية الفرسان والشعراء، وكان الفرس والخيل شاهد بارز على مسيرة الشاعر الفارس بحله وترحاله، وصولاته وجولاته، فها هو الشاعر مالك بن الريب، وهو في غمرة ألمه، حزين على ما سيشعر به خيله عندما يُفارق الحياة بقوله:
تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد
سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر محبوكاً يجر عنانه
إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا
ولا نزال نردد بيت شاعر العربية المتنبي، في وصف جمال الفروسية والخيل:
وأعز مكان في الدُنى سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
وفي عصرنا الحاضر، وعلى هذه الأرض سليلة الحضارات العربية، والشاهدة الحية على ما تعاقب من أمجاد تليدة عليها، كان الفكر السامي من قِبل القيادة الرشيدة بإيلاء هذا الموروث الشعبي والحضاري اهتماما لائقا، وتشجيع المهتمين بها، وكانت العناية والرعاية بها تتعدى اعتبارها نوع من أنواع الرياضة فحسب، بل هي جزء ثابت أصيل من الهوية الحضارية والثقافية الوطنية، ومحط الفخر والاعتزاز كما كانت في سالف العهود والأزمنة، فكان التكرم من ملك الخير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله بتاريخ 5-9-1441 الموافق 28-4-2020 مرسومه الملكي بتعديل مُسمى «الهيئة العليا للفروسية» إلى «هيئة الفروسية»، تعزيزا لمكانة المملكة العربية السعودية في مجال الفروسية عالميا، وليس على المستوى المحلي فقط، وتنسجم بوضوح كبير ورؤية 2030 والتوجهات الطيبة من عرابها الفذ أيقونة العطاء حضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله. فسعت الهيئة جادة الوصول إلى أعلى وأفضل الممارسات والمستويات العالمية الخاصة برياضة الخيل والفروسية، بفضل الشراكات والتعاون المثمر مع الكيانات ذات العلاقة والتماس المباشر بالفروسية سواء أكانت محلية، من: وزارة البيئة والمياه والزراعة، والاتحاد السعودي للفروسية، والاتحاد السعودي للبولو، و مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة، ونادي سباقات الخيل أم على المستوى الدولي من :الاتحاد الدولي للفروسية، والاتحاد الآسيوي للفروسية، والاتحاد الدولي لالتقاط الأوتاد، والاتحاد الدولي للرماية من ظهر الخيل الاتحاد والاتحاد الدولي لسياحة الفرسان، والاتحاد العربي للفرسان، ومنظمة المؤتمر الأوروبي، فتوالت الانجازات والمنجزات الهادفة نحو بلوغ رياضة الفروسية السعودية منزلتها العالمية، وتحقيق المزيد والمزيد بإقامة البطولات المحلية والمشاركة في البطولات الدولية، والحرص الرصين على إحراز المراكز المتقدمة والألقاب الريادية لكل رياضي فارس في هذه الغمار المُشرفة، التي هي محط نظر القاصي والداني، ولحظة بلحظة وساعة بساعة ويوم بيوم تُكتَبُ صفحات أخرى مُشرقة في سِفر الوطن العتيد، وتُقرأُ بمهج الأعين وعزة النفوس وإبائها، لما يتخلل بين سطور كبريائه من أنفة وعنفوان.