فضل بن سعد البوعينين
للإعلام دور رئيس في احتضان المشروعات الوطنية، ودعمها، وتوفير البيئة المحفزة للبناء والتطوير وتحقيق المنجزات. وله دور مهم في التقويم والإصلاح من خلال النقد الموضوعي، وإظهار مكامن الخلل وطرح المقترحات البناءة.
ومن الممكن تحول الإعلام إلى أداة تدمير، أو تثبيط، أو تهييج للرأي العام ما يتسبب في وأد المشروعات في مراحلها الأولى أو التأثير السلبي عليها. ومع وجود منصات التواصل الاجتماعي، وسهولة تشكيل الرأي العام وتوجيهه، أصبحت الحملات الإعلامية أكثر تنظيماً، وتأثيراً.
في العام 2016، تعرضت رؤية 2030 لحملات إعلامية سلبية، مشككة في غايات الرؤية ومضامينها، وإمكانية تحقيق أهدافها، وتنفيذ إصلاحاتها المالية والاقتصادية والمجتمعية والتنموية. ثقة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمشروعه الإستراتيجي، الذي باركه خادم الحرمين الشريفين، وحسن التدبير والتعامل الأمثل مع المنظومة الإعلامية وأدواتها البشرية والفنية، ساهم في الحد من تلك الحملات المنظمة، وتصحيح مسارها لدعم المشروع الإستراتيجي المهم، وتوفير الحماية لها في مراحلها الأولى الأكثر حاجة للحماية من الحملات الإعلامية السلبية.
لم تكن الرؤية قادرة على المضي قُدماً، لو لم تجد البيئة الداعمة، والحماية الإعلامية، ومواجهة المشككين فيها، بالرسائل المعرفية والشفافية والحزم، حتى بلوغ مرحلة تحقيق الأهداف المعلنة.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فمشروع الأمير محمد بن سلمان الرياضي يواجه اليوم بتحديات مختلفة وفي مقدمها التحديات الإعلامية. تحديات انعكست سلباً على المنتخب السعودي ونتائجه في منافسات كأس آسيا، وما زالت تحدث أثراً سلبياً في القطاع الرياضي عموماً، وكرة القدم على وجه الخصوص.
خروج المنتخب السعودي من منافسات كأس آسيا، رغم الإنفاق الضخم، والبرامج والخطط الإستراتيجية، ونظام الاحتراف، فتح باب النقد على مصراعيه.
من حق المهتمين، والمحللين، والجماهير عموماً إبداء الرأي حول نتائج المنتخب، وما يحدث في منظومة كرة القدم، وتوجيه النقد لمن يعتقدون بتقصيرهم في أداء مهامهم الموكلة إليهم، غير أن التحلي بموضوعية النقد وآدابه من المتطلبات الواجب الالتزام بها، فالنقد الموضوعي من أدوات الإصلاح، ومن الطبيعي أن يتحمّل كل من له علاقة بالمنتخب الوطني جانباً من المسؤولية، غير أن الترصد والانتهازية وتصيّد الأخطاء، والتشكيك في الذمم، وتهييج الشارع الرياضي لأهداف محددة، من السلبيات التي يجب الابتعاد عنها. كما أن الانتقائية في النقد، التي يمارسها أصحاب الميول بهدف التجريح لا الإصلاح، تزيد من هوة الخلاف، وإثارة الجدل، ولا تساعد على إيجاد الحلول الناجعة للتحديات المؤثرة سلبا في المشروع الرياضي.
أؤمن بأن مشكلة المنتخب الحالية أكثر ارتباطاً بالحالة النفسية التي ربما تسبب بها الإعلام الرياضي، ومواقع التواصل الاجتماعي. وأؤمن أيضاً بأن ما يحدث من جدل في الشارع الرياضي حول إستراتيجية دعم الأندية، وخصخصتها على ارتباط وثيق بمخرجات الإعلام الرياضي، في القنوات والبرامج ووسائل التواصل. وهذا لا يمنع من القول بوجود بعض التحديات الفنية المؤثّرة. قد يكون المنتخب ضحية خلافات إعلامية وجماهيرية صنعتها الميول، لا العقول المفكرة.
إخراج اللاعبين من تركيزهم الرياضي، واصطدامهم بحملات إعلامية موجهة، أثرا سلباً على أدائهم ونتائجهم في البطولة. وأثر على أسرهم وحياتهم الاجتماعية وظروفهم النفسية. كما أن تأثير ذلك طال المشروع الوطني الذي يبدو أن عدداً من قيادات الإعلام الرياضي، والمنتمين للقطاع لم يُدركوا أهميته الإستراتيجية بعد، وما زالوا يتعاملون معه من منظور ضيق مرتبط بالأندية والميول وفكر المشجعين. وأستثني من ذلك كفاءات إدارية وإعلامية وعقول رياضية وكتّاب ومحللين شكلوا فيما بينهم منظومة لتعزيز المعرفة ونشر ثقافة البناء والتطوير الرياضي، وتوفير الدعم المطلوب للمشروع الوطني وللمنتخب ولجميع الأندية السعودية بلا استثناء.
لن أوجه بوصلة الاتهام إلى أحد، فلا خير يُرجى من استحضار الماضي، ومن الأفضل معالجة التحديات الحالية برؤية وطنية خالصة تجعل من الوطن وشعاره ومنتخبه مظلة يستظل بها الجميع، تُحَقَق من خلالها الإنجازات ويُصنع الفرح، بعيداً عن التعصب والميول، والترصد الممقوت.
إصلاح الإعلام الرياضي، بجميع وسائله وأدواته، وإعادة هيكلته، وتوفير الحماية التامة للمشاركات الوطنية، وللمشروع الرياضي ومحاسبة كل من يسيء للوطن وأنديته، وللمجتمع عموماً، هو البداية لخلق بيئة صحية حاضنة لبناء القطاع الرياضي وإنجاح المشروع الوطني. كما أن تفعيل التشريعات، وتحقيق متطلبات الحوكمة، وتطبيق الأنظمة على الجميع بحزم وعدالة وشفافية، من متطلبات الإصلاح والبناء المتين.
تطوير قطاع كرة القدم، وصناعة منتخب وطني منافس، يتطلب عملاً احترافياً لتحقيق المنفعة الكلية من الاستثمارات المالية الضخمة، والجهود الحكومية، والإستراتيجيات المعلنة التي تحتاج إلى بيئة محفزة على الإنجاز، وداعمة لها، وليست طاردة ومثيرة للشبهات، وموغلة بالتشكيك في نوايا المسؤولين، والأنظمة الرسمية.