عبد الله سليمان الطليان
الجريمة هي فعل وسلوك مجرم في شرع الله ومخالف للقانون، يكون لها أثر خطير ومدمر للفرد والمجتمع، تنشأ وفق ظروف مختلفة، ولعل أكثر ما يحفزها ويجعلها تنتشر هو الوضع الاقتصادي المتدهور مصاحباً لنقص في التعليم والثقافة، وهناك دول كثيرة تعاني من هذا في العالم، سوف نأخذ مثالاً من دولة في أمريكا الجنوبية وهي البرازيل مع أن هذه الدولة ذات اقتصاد متطور ولكن نجد فيها جريمة القتل مستفحلة بشكل ملفت للنظر ومصدر قلق للجهات الرسمية، وهي ليست مقتصرة على أناس عاديين بل إنها أحياناً تشمل مسؤولين، ويمكن أن يكون والاس سوزا خير مثال.
ولد سوزا في مدينة في ماناوس عام 1957 درس الاقتصاد في الجامعات البرازيلية، وأصبح صحفياً، انضم إلى الشرطة عام 1979ولكنه فصل منها في العام 1987 بعد اعتقاله نتيجة قيامه بأنشطة احتيالية تتعلق بصناديق التقاعد، وسرقة البترول، رشح لمجلس امازوناس التشريعي، وهي الهيئة التشريعية لمقاطعة امازوناس في العام 1998، وسرعان ارتقى إلى قيادة الحزب الاجتماعي المسيحي لكنه لم يستمر إذ طرد منه بشكل مخزٍ، اشتهر سوزا بإنتاج البرنامج التلفزيوني (كانال ليفر) وإخراجه في العام 1989: فسطع نجم البرنامج وعُرِف على أنه من الصحافة الاستقصائية الهادفة إلى مقاومة الجريمة والظلم الاجتماعي، واستمر به حتى العام 2008. كان البرنامج في بدايته يتتبع عن قرب كل أنواع الإجراءات الشرطية، والشؤون القضائية، جاذباً الجماهير الكبيرة بنقل مداهمات الشرطة المسرحية واعتقالاتها، وزيادة على ذلك كان مقدمو البرنامج يتتبعون مطاردات الشرطة بالطائرات المروحية، وأحياناً، كان طاقم تصويره وبشكل غريب، أول من يصل إلى موقع الجريمة لالتقاط الصور الفوتوغرافية.
أصبح سوزا بطلاً شعبياً في ماناوس، رآه الناس مخلصاً للمدينة المدمرة بالجريمة، لاسيما عندما كان ينفس عن غضبه تجاه العصابات والمجرمين وتجار المخدرات. لقد ارتقى برنامجه إلى سلم التقييمات فاحتل المرتبة الأولى؛ وهو برنامج يعرض صوراً جاذبة لعائلات باكية وضحايا ملطخين بالدماء وتبادل الإطلاق النيران مدموجة بمقاطع موسيقية وفكاهية لكن صورته وصلت ذروتها كرمز للبطولة خلال أزمة احتجاز رهائن قدم فيها نفسه وسيطاً ورسولاً بين الشرطة والمجرم ليمسي هو نفسه رهينة أيضاً، فلما رفعته شعبيته، ترشح للانتخابات وحاز منصب ممثل الدولة بأعلى نسبة أصوات في تاريخ هذا المنصب، بدأت حكاية تجريم سوزا عندما اتهم مواسير خورخي دي كوستا والمعروف بموا بقتل ضحايا عدة ممن ظهروا في البرنامج، وقد كان موا رقيباً سابقاً في الشرطة العسكرية، وجزءاً من فريق سوزا الأمني وفي المقابل، ورط موا سورا باتهامه أنه عينه من أجل أن يرتكب جريمة اغتيال واحدة على الأقل.
وفي العام 2009، بدأت شرطة ولاية أمازوناس التحقيق مع سوزا بتهمة التحريض على القتل، رغبة منه في زيادة أعداد مشاهديه وتقسيمات برنامجه، لقد أمسى وصوله المبكر والغريب إلى ساحات الجرائم سبياً للشك في أنه كان يدفع المال للقتلة حتى يرتكبوا جرائمهم ليعرض هو نتائجها على الجماهير المذهولة زعم الادعاء أن موا كشف النقاب عن 10 جرائم قتل، اختيرت منها واحدة لها من الأدلة ما يكفي لتوريط سوزا ومقاضاته، داوم سوزا على إنكار أي مشاركة له أو معرفة بتلك الأعمال المنافية للقانون، لكنه أنكر كذلك، في لحظة ما، معرفته بموا، الأمر الذي بدا بعيد الاحتمال بناءً على شهادات الآخرين لم يسلم سوزا نفسه مباشرة، مبرراً ذلك المحامي الدفاع بالقول إنه خائف على حياته حال حبسه في سجن عام؛ فهو لا يريد أن يواجه المجرمين الذين سبق ونشر أداءهم في برنامجه التلفزيوني، وعندها أبرم المحامي اتفاقية يحبس بموجبها سوزا في زنزانة منفردة حين يسلم نفسه؛ فسلمها رجلاً مكسوراً ومحبوساً في زنزانة منفردة.
نادى محاموه ببراءته منذ البدء وبثبات، فهل كان سوزا ضحية مكيدة منافسيه السياسيين؟ كما تورط نجله رافائيل Rafael كذلك معه واعتقل بتهم القتل والاتجار بالمخدرات وحيازة الأسلحة غير القانونية.
أصدر القاضي قراراً بكفاية الأدلة لمحاكمة سوزا والمدعى عليهم في قضية قتل واحدة على الأقل. وأخيراً، وفي أكتوبر من العام 2009، اتهم والاس، رسمياً، بالقتل، والاتجار بالمخدرات وتهديد الشهود، والاتجار بالأسلحة غير القانونية، وتزعم جماعات الجريمة المنظمة، كما فصل من المجلس التشريعي، ولم يحضر الإجراءات الأولية ضده حين انعقادها بسبب تعرضه، افتراضاً، لأزمة صحية تطلبت دخوله المستشفى.
مات بأزمة قلبية في عام 2010 بينما كان في مستشفى ساو باولو.