سهوب بغدادي
بينچامين فرانكلين، توماس أديسون، نيكولا تسلا، أسماء مخترعين ومبتكرين سطروا علامة فارقة في التاريخ باختراعاتهم التي ساهمت في تحسين إطار معين في الحياة اليومية، لطالما تساءلت عن الكم الهائل من العلم والمعرفة والخبرة اللازمة للاختراع! فكلما سمعت عن اختراع جديد يكون المخترع في سنٍّ كبير على الأغلب، إلا أن هذه المرة لم تكن كسابقاتها من المرات، عندما أثلجت صدري النابغة أثير سالم العصيمي، التي حصلت على براءة اختراع في كلٍّ من السعودية والكويت وحصلت على ميدالية على هذا الاختراع الفذ، بدايةً وأجمل ما في الموضوع أن أثير شعرت بالإلهام نتيجة تعارفها مع المرضى والمراجعين في المستشفى، وفي أحد الأيام المعتادة صدمت من دمعة رجل كبير في السن يبلغ من العمر 80 عامًا، كانت تجري له التحاليل الطبية الروتينية، فبكى وظنت أنها قست عليه وتسببت بهذه الآلام واعتذرت على الفور منه، ثم تفاجأت من رده غير المتوقع قائلاً: «إيه يا أمي، إيه أنتِ اللي تروفين فيني) ويقصد أنها المرة الوحيدة التي لم يتألم فيها من وخزة الإبرة، وبدأ يحكي لها معاناته وتجاربه السيئة مع الإبر، تقول أثير إنها بالفعل عاينت آثار هذه التجارب السيئة على يده وكانت جلية وبألوان قانية في مناطق مختلفة على ذراعه، كانت تلك الدموع كافية لأن تكون نقطة الانطلاق وسببًا ومحركًا رئيسًا لتجد حلًا جذريًّا لمثل هذا الشخص وهم كثر، على سبيل المثال لا الحصر، كبار السن، ومرضى الغسيل الكلوي، ومحاربو السرطان-عافاهم الله- علاوة على المواليد والخدج، حيث تكثر إصاباتهم بسبب وخز الإبر وصعوبة تحديد المكان المناسب نظرًا لصغر حجم الأوردة -حماهم الله- من هنا، تفرغت أثير للبحث العلمي والتمحيص بشكل كلي، لتجد بعدها ضالتها في جهاز طبي أطلقت عليه اسم (رأفة) تيمنًا بجملة الرجل المسن، حيث يعمل الجهاز على إدخال الإبرة للوريد دون ألم وبشكل آمن وسريع باستخدام تقنية تعمل على التسكين الفوري حين دخول الإبرة بحيث لا يشعر المريض بألمها، أيضًا يحتوي الجهاز على مستشعر خاص يقوم بتحديد الوريد المناسب للحقن الوريدي أو لسحب الدم لمنع حدوث مضاعفات طبية، ومنع تكرار المحاولات لإيجاد الوريد، إذ يساهم الاختراع في تقليل عدد الإصابات والمضاعفات المرتبطة بالتحاليل الطبية، فضلًا عن تقليص خطر الأذى المرتبط بالرعاية الصحية، ورفع كفاءة وجودة الرعاية الصحية المقدمة في المرافق والكيانات الصحية فالمملكة العربية السعودية، كذلك المساهمة في تحقيق مبدأ سلامة المرضى باعتبارها أولوية استراتيجية لدى منظمة الصحة العالمية.
في سياق منفصل، إن البحث العلمي من أهم الأساسات الداعمة لتطور الأمم في جميع المجالات والنطاقات، فكيف نجعل أطفالنا واليافعين مخترعين ومبتكرين؟ استنادًا إلى قصة أثير بنت سالم، البالغة من العمر 26 عامًا، نجد أن دور الأب والأم يعد مفصليًّا في تشجيع المخترع، في مثل قصة أثير، فإن والدها قام بتوفير الدعم المادي كاملًا لها فيما يتعلق بأغراض البحث والتجارب العلمية، وكان معها في جميع المراحل، ابتداءً من الفكرة عندما قصّت عليه ما حدث «للشايب» وصولًا بإيجاد شيء من العدم، لنتخيل شخصًا آخر ذهب إلى والديه ليخبرهما بأحلامه وآماله وتطلعاته وأفكاره، التي قد يعدها البعض مجنونة أو ضربًا من الخيال، ذلك كفيل بأن يحبط الشخص وأن يثنيه عما كان سيحقق من إنجاز، كذلك كان لوالدة أثير دور كبير من نعومة أظافرها بحثها على البحث وحب العلم والابتكار، ونشأت في بيئة آمنة محفوفة بالعلم والتعلم.
من هذه القصة أتطلع إلى ما سنشهده من تطور بيّن في المجالات العلمية والطب، خاصةً بعد الأزمة الصحية العالمية المتمثلة باندلاع فيروس كورونا وتميّز المملكة والجهات المختصة مثل وزارة الصحة في مكافحة العدوى وإدارة الحشود في الحج والعمرة في ذلك العام والذي يليه، وما بعدها من معطيات وتداعيات عالمية تغلبنا عليها دون المرور بما جرى للدول الأخرى.