محمد بن عيسى الكنعان
لا أبالغ إن قلت إن أمانة منطقة الرياض تعتبر من أفضل الأمانات على مستوى المملكة أداءً وإنجازًا إن لم تكن أفضلهن، فما نعايشه يوميًّا، ونشاهده واقعًا يدعم صوابية هذا القول، سواءً على مستوى التنمية الحضرية، وما يتصل بها من تخطيط عمراني، وأنسنة أحياء، وتأسيس بنية تحتية متطورة وذكية، وتحسين المشهد الحضاري، أو على مستوى التواصل الفعال مع سكان الرياض، وتحسين الخدمات المقدمة حتى صار المواطن شريكًا في نجاحات مشروعات الأمانة ومبادراتها التنموية، فضلًا عن تعزيز الجانب الاجتماعي من خلال تحفيز المشاركة المجتمعية. ولعل من أبرز مشروعات الأمانة على مستوى مدينة الرياض، هو برنامج (أنسنة الأحياء السكنية)، لتكون أحياءً سكنية ذكية، تماشيًا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 وبرامجها المتصلة بالقطاع البلدي لتعزيز جودة الحياة؛ حيث يهدف البرنامج إلى إضفاء الديمومة والرفاهية على المناطق السكنية داخل الحي، عبر تسهيل حركة السكان وتنقلاتهم، وتوفير حركة مشاة آمنة لهم، وتزويد الحي بنشاطات اجتماعية متعددة ومختلفة، كما يهدف البرنامج إلى القضاء على المظاهر السلبية وصور التلوث البصري، كالتعديات على الأرصفة، والوقوف العشوائي للسيارات، والقيادة بسرعات عالية في شوارع الحي، والتشجير العشوائي المعيق لحركة المشاة، إلى جانب إعطاء الحي هوية محددة بسمات واضحة. وقد أوشكت أمانة الرياض على الانتهاء من مشروعها التطويري بحي الفلاح، الواقع شمال الطريق الدائري الشمالي، وجنوب طريق الأمير محمد بن سلمان، وشرق طريق عثمان بن عفان، وغرب طريق مطار الملك خالد الدولي؛ حيث تمثلت الجوانب التطويرية والأنسنة للحي بإعادة أرصفة شوارع الحي، وتحسين الحدائق والساحات وما يحيط بها، وزيادة التشجير، وإعادة سفلتة الشوارع، وغير ذلك، بحيث يتوفر في الحي ممرات مشاة، ومسارات رياضية، وحدائق فسيحة، وتشجير يواكب مبادرة الرياض الخضراء. لكن الملاحظ على تصاميم تلك الأرصفة ومحيط الحدائق بحي الفلاح أنها لم تراعِ انسيابية الحركة المرورية داخل الحي، كما لم تراعِ مواقف الحدائق المخصصة لسيارات مرتاديها. فمساحات الأرصفة أمام المنازل وحول الحدائق والمرافق العامة صارت أكبر على حساب الشوارع نفسها، فالرصيف الواحد صار يتكون من ثلاثة أرصفة، (مشاة وأحواض تشجير وموقف سيارة)، ثم الأسفلت الذي بالكاد يستوعب سيارتين متقابلتين!! ثم الأرصفة الثلاثة بالجهة المقابلة. أما المشلة الفعلية في الحركة المرورية بالنسبة للسائقين داخل الحي فتتمثل في أرصفة زوايا الشوارع، التي تبدو ممتدة بالاتجاهين على حساب الشارع، مع وضع مكعبات أسمنتية لمنع السائقين من صعود الأرصفة؛ لذلك عند دخول سيارة من شارع إلى شارع آخر، أو خروجها منه فإن السائق يحاول الابتعاد عن زاوية الشارع كي لا تحتك سيارته بتلك المكعبات - رغم أنها بعيدة عنها - فيأخذ مساحة أكبر من الشارع ويعطل السيارة الأخرى حتى يمر. فكرة الأرصفة الثلاثة (مشاة وتشجير وسيارة) جيدة وعملية، لكن الإشكال في المبالغة بعرضها على حساب الشارع نفسه (شارع 20 مترًا تحول إلى عرض 6 أمتار). والحال ينطبق على الأرصفة المحيطة بالحدائق! ناهيك عن مساحات كبيرة تُحيط ببعض الحدائق (مثال: منطقة شمال حديقة الفلاح)؛ حيث تم رصفها بـ (الانتر لوك) ووضع أحواض تشجير فيها، بدل أن تُستغل كمواقف لسيارات مرتادي الحديقة، الذين صاروا يركنون سياراتهم بمواقف المسجد المجاور أو عند بيوت السكان. فضلًا عن بعض الشوارع الصغيرة، التي كانت تخدم السكان للدخول من شارع رئيس إلى داخل الحي، فتم تحويلها إلى ممر كما هو حاصل بالنسبة للشارع الجنوبي لمركز الرعاية الصحية الأولية بحي الفلاح. هذه بعض الملاحظات التي ظهرت بعد انتهاء الأعمال التنفيذية بحي الفلاح، ما يتطلب إعادة النظر في التصاميم لأجل تلافي الأخطاء بالنسبة لأنسنة الأحياء الأخرى. كما قلت الفكرة رائدة، والتجربة جيدة، وهي بالمجمل ناجحة، ولكن لم تكتمل لوجود بعض القصور، الذي من الممكن تعديله وتحسينه. شكرًا لأمانة منطقة الرياض فما تعودنا منها إلا كل إتقان وجميل، كما تسمع صوت المواطن وتعتبره شريكها في النجاح.