أ.د.صالح معيض الغامدي
يمكن النظر إلى ما يعرف «بقصص (سرود) النجاح الذاتية» الشفوية والمكتوبة بوصفها ضرباً من ضروب السيرة الذاتية المكثفة، فعادة ما يُطلب من الناجحين والناجحات في حياتهم العملية والعلمية إلقاء أحاديث حول تجاربهم الحياتية تكون نموذجاً للاقتداء بها من قبل بعض فئات المجتمع وبخاصة فئة الشباب، وقد يعقبها مساحة تطرح فيها بعض الأسئلة والأجوبة، أو يطلب من هؤلاء الناجحين كتابة نصوص سيرذاتية حول قصة نجاحاتهم تأتي على شكل مقالات أو أي شكل من أشكال النصوص القصصية المتنوعة. وقد تروى هذه القصص أو تكتب تطوعاً من أصحابها إسهاماً منهم في تقديم تجاربهم الناجحة للآخرين ليقتدوا بها وينسجوا على منوالها وتكون سروداً محفزة للتغلب على المصاعب أيا كان نوعها والوصول إلى أهدافهم وتحقيق أحلامهم وآمالهم .
ومن المعلوم أن هذا النوع من السرود لا يحكي قصة النجاح فقط، بل يحكي في داخله أيضاً قصصاً أخرى كثيرة تسبق هذا النجاح: قصص المعاناة والإخفاقات والتحديات والإحباطات وغيرها من التجارب الصعبة التي تسبق تحقيق النجاح الذي يأتي تتويجا لهذه المسيرة/ السيرة الحافلة.
وقد تقدم هذه السرود نظير مقابل مادي تغطيها جهات معينة مثل بعض المؤسسات العلمية أو الإعلامية وبعض المراكز التدريبية، وقد تكون مجانية تطوعية يقدمها الناجحون والناجحات خدمة اجتماعية لمجتمعاتهم، أو تقدمها فئات من المجتمع استطاعوا تحقيق نجاحات مهمة في التغلب على المعوقات الحياتية التي واجهتهم كالأمراض الخطيرة والإعاقات الكبيرة وأمثالها.
وهذا الضرب من السرود التطوعية ليس غريبا على ثقافتنا العربية الإسلامية، فقد عرف منذ القدم تحت مفهوم «التحدث بنعمة الله» كما ورد في الآية الكريمة «وأما بنعمة ربك فحدث». ومعلوم أن التحدث بنعمة الله هو من أهم دوافع كتابة السيرة الذاتية في مجتمعنا العربي المسلم قديما وحديثا.
والحديث عن « النعمة» أو « النجاح» لا يأتي مركزا فقط على الجوانب المشرقة في الحياة، بل يستلزم مواجهة الصعوبات والتجارب الحياتية القاسية بما فيها الإخفاق أحياناً، ولا يأتي النجاح إلا ثمرة لهذه التجارب الحياتية المتنوعة إيجاباً وسلباً. ولو دققنا النظر في سرود النجاح هذه بنوعيها الشفوي والمكتوب لوجدناها تتضمن أهم عناصر السيرة الذاتية ، فهناك سارد حقيقي من لحم ودم يحكي قصة نجاحه بطريقة استعادية، بضمير المتكلم وتتحقق في سرده المطابقة التامة بين كاتب قصة النجاح وساردها وبطلها، وهي بذلك تحمل قدرا كبيرا من المصداقية والإقناع، وغالبا ما تسرد قصة النجاح بأسلوب تاريخي تدرجي (كرونولوجي) من بداية التجربة الحياتية إلى الوصول إلى مرحلة تحقيق النجاح.
وهذا النوع من السرود ما زال في حاجة ماسة إلى البحث والدراسة ، وهو في نظري مجال واعد جداً من مجالات الدراسات السيرذاتية بشتى أنواعها، ولا تقصر أهميته على كونه إبداعا أدبيا فحسب، بل تتعدى ذلك إلى حقول علمية ومهنية متعددة ترتبط بقضايا القدوة والتحفيز والتمكين والتشجيع والدافعية وغيرها من القضايا النفسية والاجتماعية والمهنية الأخرى!