أ.د.عبدالرزاق الصاعدي
قال خِطام المجاشعي:
حَيِّ دِيـارَ الحَيِّ بيـنَ السَّهْبَينْ
وطَلحةِ الدّومِ وقدْ تَعَفَّيْـنْ
ومَهْمَهَيِْ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْــنْ
ظَهْرَاهُما مِثلُ ظُهُور التُرْسَيْنْ
قَطَعْتُه بالسَّمْتِ لا بالسَّمْتَيْنْ
ومنها:
وصالياتٍ ككما يُؤَثْفَيْنْ
وفيها أبيات من شواهد النحويين واللغويين، ورأيت كثيراً منهم يخطئ في وزنها، فجعلها الصغاني في التكملة وابن مالك في شرح التسهيل وأبو حيان في التذييل والشاطبي في المقاصد والأشموني في شرح الألفية والسيوطي في عقود الزبرجد من الرجز، وتابعهم كثير من المحدثين، منهم عبدالسلام هارون في معجم شواهد العربية ومحمود الطناحي في الأمالي الشجرية، وهذا غلط منهم والصحيح أنها من مشطور السريع، وعروضها موقوفة (مفعولانْ)، قال البغدادي في الخزانة: (هي من بحر السَّرِيع ورُبّما حسب من لا يُحسن العَرُوض أنه من الرجز كما توهّمه بعضهم).
قلت: وأعجب العجب أن عبدالسلام هارون الذي قرأ كلام البغدادي هذا فهرس القصيدة في الرجز، ولا أعلم سبباً لذلك إلا أن يكون الفهرس ليس من صنعه ولم يراجعه، لأنه أكبر من أن يقع في شيء كهذا.
ومن مشطور السريع على هذا الوزن، قول الشاعر:
ينضحنَ في حافاتِهِ بالأبوالْ
وقول الآخر:
الحمدُ للهِ الوهوبِ المنّانْ
وقول الآخر:
ومنزلٌ مستوحشٌ رَثُّ الحالْ
ثم أعود إلى القصيدة فأقول: لم يقتصر وَهْمُهم على الوزن فحسب، بل تعداه إلى اللغة، فقوله: (قَذَفَيْنِ مَرْتَينْ) ضَبَطه بعضهم: (مرّتين)، بتشديد الراء، ظنّه مثنّى مرّة، وهو مثنى مَرْت، والمرْتُ: الذي لا نَباتَ فيه.
وأقول في الختام: أنصح طلبة العلم بمراجعة مشطوري الرجز والسريع، فالتداخل بينهما شديد، وتحريرهما واجب، وإجادة العروض شرط من شروط تحقيق التراث الذي يكثر فيه الشعر، ولا تغترّوا بما في ديوان رؤبة وغيره من الرجاز، فإنهم قد ينظمون على مشطور السريع لأنه قريب جداً من الرجز، ولكن يبقى الرجز رجزاً والسريع سريعاً، وإن تقاربا.
وخلاصة هذين البحرين المشطورين:
لمشطور الرجز وزن واحد، هو:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
ولمشطور السريع وزنان:
1- مستفعلن مستفعلن مفعولانْ
2- مستفعلن مستفعلن مفعولن
ثم أقول: إنّ من أسرار العروض وعجائب الدوائر أنه محالٌ أن يتداخل بحران من دائرة واحدة، فكل التداخل يكون بين بحرين من دائرتين مختلفتين، كالسريع من الرابعة والرجز من الثالثة، والكامل من الثانية والرجز من الثالثة، والمديد من الأولى والخفيف من الرابعة، والوافر من الثانية والهزج من الثالثة.